Author

السلالة الجديدة .. ارتباك جديد

|

لم يكد العالم يهدأ من الهزات والأزمات الصحية والاقتصادية والاجتماعية، التي تعرض لها بسبب جائحة فيروس كورونا وأنواعه وسلالاته المختلفة القاتلة، حتى ظهر فجأة متحور جديد من مناطق في جنوب إفريقيا، الذي أطلق عليه "أوميكرون"، وليس واضحا تماما مدى التهديد الحقيقي الذي يشكله، فالأمر لا يزال في نطاق التحذيرات، وفي دائرة الإجراءات الوقائية منه، كوضع بعض الدول المعنية بانتشار هذا النوع في مناطقها على القائمة الحمراء مثلا، ومنع السفر منها. لكن الثابت أن هذا المتحور، كما الفيروس الأصلي وبقية السلالات التي ظهرت في الأشهر الماضية، يسبب قلقا بالغا، وينشر المخاوف على الساحة الاقتصادية، وربما يدفع كثيرا من الدول للعودة إلى حالات الإغلاق السابقة التي شهدتها الجائحة، في الوقت الذي يمر فيه العالم بمرحلة تعاف سريعة في مناطق، ومضطربة في مناطق أخرى. ولا شك في أن الاقتصاد العالمي لا يتحمل أي نكسة أخرى في هذا الوقت بالذات، كما أنه "استهلك" إن جاز القول من جراء قواعد الإغلاق التي اتبعتها كل الدول. وهذا الاقتصاد يحتاج إلى إعادة صياغة كثير من القرارات المحلية التي اتخذتها هذه الدولة أو تلك، خصوصا فيما يرتبط بحزم الإنقاذ المكلفة، والقروض الرخيصة، وغير ذلك من أدوات ساعدت على الوقوف في وجه الأزمة في العام الماضي، أو عام الجائحة.
"أوميكرون" الذي اعتبره المختصون أقوى وأقسى من "دلتا"، ضرب على الفور أداء الأسواق العالمية. وتعرضت - كما هو متوقع - أسهم شركات الطيران والسياحة وما يرتبط بها من كيانات مساندة لخسائر لافتة، ولا سيما مع إعلان عدد من الدول في أوروبا وأمريكا ومنطقة الشرق الأوسط وقف السفر إليها من ثماني دول إفريقية، التي انتشر فيها الفيروس وأصبحت بؤرة له، دون إغفال أن توزيع اللقاحات في المنطقة التي تفشى فيها الفيروس ضعيف، مقارنة بدول العالم الأخرى. وهذه القرارات ربما يتسع نطاقها في وقت قريب، إذا طال "أوميكرون" مناطق أخرى. دون أن ننسى بالطبع، أن الإجراءات المقيدة الجديدة تأتي في موسم الأعياد الغربية التي كانت الحكومات تعول عليها لإعادة قوة دفع النشاط الاقتصادي بشكل عام. وهناك دول في أوروبا ألغت بالفعل كل احتفالات أعياد الميلاد ورأس السنة، ولا تزال هناك حكومات تدرس إذا ما كانت مضطرة في مرحلة ما إلى إغلاق شامل أو شبه كامل.
الصورة لا تزال تتشكل حيال متحور كورونا الجديد، لكن التأثيرات بدأت تظهر على الساحة، بما في ذلك السوق النفطية. فمع التدابير التي اتخذها عدد من الدول، تراجعت أسعار البترول بصورة كبيرة 10 في المائة، نتيجة القلق من جراء انخفاض الطلب، وارتفاع مستوى الفائض في هذه السوق. فكل شيء يتأثر بأي إجراءات اقتصادية سواء محلية أو إقليمية أو دولية. والعالم يسعى بأي وسيلة كانت إلى تحقيق النمو المأمول هذا العام والعام المقبل، إلا أنه يبدو أن السيطرة على الوضع الصحي لا تزال غير محكمة، ليس بسبب تراخي الإجراءات طبعا، بل نتيجة الأشكال الجديدة التي قد تظهر لكوفيد - 19. وعلى هذا الأساس، تحاول الحكومات حول العالم احتواء أي متحور جديد بأسرع وقت ممكن.
لكن في حال استمرار توسع نطاق "أوميكرون" على الساحة العالمية، فإن الوضع الاقتصادي سيتلقى الضربة الأقوى، بالعودة إلى تدابير الإغلاق، الذي يعني عودة الحراك الاقتصادي إلى السكون مجددا، وهذا أمر خطير جدا. ولذلك فإن الحكومات تشجع حتى قبل ظهور "المتحور" على الساحة، على أخذ اللقاحات المطلوبة، حتى إن بعضها فرض قيودا قاسية على أولئك الذين رفضوا التطعيم.
المشهد في ظل أي سلالة قوية، لن يكون مقبولا لأي طرف. لكن علينا ألا ننسى، أن العالم اختبر التعاطي مع الوباء الأخير، ما يمنح التحرك ضد المتحورات قوة دفع أقوى، وبطرق لم تكن معروفة أصلا قبل انتشار الجائحة نفسها. وفي كل الأحوال، الاقتصاد العالمي سيتأثر سلبا بصورة أو بأخرى، طبقا لمدى انتشار وتأثير وقوة "أوميكرون".

إنشرها