مسجد المستقبل

من المناسبات المهمة التي شهدتها المملكة المؤتمر الدولي للفن الإسلامي تحت شعار "المسجد.. إبداع القطع والشكل والوظيفة"، الذي أقيم في مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي "إثراء" في الظهران الثلاثاء الماضي.
إضافة إلى الحضور العالمي اللافت في مجالات العمارة والتراث، حضر من السعودية القطاع الخاص والقطاع الثالث إضافة إلى القطاع الحكومي، وكانت المناقشات وأوراق العمل تتجاوز المسألة المعمارية على أهميتها كجزء من الثقافة الإسلامية إجمالا، الثقافة التي أضيفت لها وتمازجت معها اللمسات والثراء الذي أضفته ثقافات شعوب العالم أجمع على عمارة المساجد لتكون أيقونات معمار.
عمارة المساجد ليست فقط جزءا أصيلا من الهوية والثقافة الإسلاميتين، إنها في تقديري أيضا جزء من عمارة الأرض، عمارتها بالعبادة، والبناء، والإسهام في التقدم الحضاري، وفي بنية المجتمع، حتى اقتصاده.
على سبيل المثال شهد المؤتمر المطالبة بتطوير فناء المساجد والأماكن التي تحيط بها، وتذكرت هنا مشروع تشجير محيط المسجد "ومعه محيط المدرسة" وسقايتها بالاعتماد على المياه المعالجة التي تخرج منهما، مياه الغسيل تحديدا، ففي المسجد يتوضأ مئات البشر يوميا، وفي المدرسة يفعل الطلاب المثل.
مشروع "التخضير" هذا ليس فقط مسألة بيئية فحسب، بل إنها مسألة تربوية، ستدخل ضمن دور المسجد في المجتمع، ودور المدرسة في التربية، ولعل التحدي الذي أطلقه المؤتمر لطلاب الجامعات باسم " تحدي مسجد المستقبل" يجعل المتنافسين يشملون هذه الفكرة ضمن مشاريعهم.
هذا التحدي كما جاء في المؤتمر سيكون فرصة لكي نرى مساجد المستقبل في أعين الشباب، ولتحفيز التفكير الإبداعي، والرغبة في الحصول على مخرجات تمثل نماذج ممكنة لمستقبل المساجد.
أحسب أن كثيرا من نماذج معمار المساجد و"عمارتها" بالفعاليات الاجتماعية والثقافية، إضافة إلى دورها الأساس مكان عبادة لأداء الركن الثاني من الإسلام، سيكون بمنزلة "استعادة" لأدوار فقدها المسجد مع الزمن بسبب "أطوار" عاشتها بعض المجتمعات الإسلامية، كان المسجد فيها منبرا محتكرا رغم أنه يشكل أحد أهم عناصر الاندماج الاجتماعي والثقافي والاقتصادي بين جميع فئات المجتمع ومشاربهم وأطيافهم.
المساجد تلعب دورا مهما في بناء الأجيال، لتأثيرها في حياتهم شكلا ومضمونا بأبعاد ثقافية واجتماعية مختلفة يمكننا تطويرها لتحقيق الاستفادة القصوى منها، وليكون مسجد الحي بمنزلة المركز الاجتماعي والثقافي للحي، بل حتى يمكن أن يسهم في إيجاد الرزق عبر تطوير وتقنين البيع والشراء من حوله كعادة درجت عليها الشعوب، لكنها أحيانا تصبح تشويها أكثر منه إسهاما في "أسباب" الرزق.
مسجد المستقبل محراب للقبلة، ومحاريب للنهضة والإبداع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي