Author

منهجية التمويل العقاري وكفاية الرهن العقاري

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
تم في المقال السابق التوسع في الحديث والمناقشة حول "رفع كفاءة الرسوم على الأراضي وزيادة فعاليتها"، كأول الحلول اللازم تفعيلها بالكامل بهدف الحد من التضخم العقاري الراهن في أسعار الأراضي والمنتجات العقارية المختلفة، واستكمل الحديث هنا عن الحل الثاني المتعلق بالعمل على مراجعة منهجية التمويل العقاري الراهنة، والضوابط المتعلقة بسداد الأقساط المستحقة على المستفيدين.
يمثل وجود التمويل العقاري، وسهولة الحصول عليه من قبل الشرائح المستهدفة به ركنا أساسيا من أركان برامج الإسكان، وواحدا من أهم الركائز الممهدة لرفع نسب تملك المساكن للأفراد والأسر في المجتمع، وكما أنه يمثل الركيزة الأساسية المرتبطة بدرجة أكبر بجانب الطلب كمحفز رئيس له التي تسهم في رفع القدرة المالية لدى المشترين - المستهلكين النهائيين - وصولا إلى تملك مساكنهم، فإنه يقابل تلك الركيزة لجانب الطلب ركيزة أساسية أخرى في جانب العرض، تتمثل في نظام الرسوم على الأراضي البيضاء، النظام الذي يستهدف تحفيز ملاك الأراضي للإسراع بتطويرها أو تحريرها من ملكيتهم، وضخها من ثم في السوق العقارية بما يلبي حجم الطلب عليها، وبما يوجد بدوره توازنا على مستوى الأسعار السوقية لمختلف الأصول العقارية.
وبالنظر إلى الأعوام الماضية في هذا السياق يمكن التأكد من تشكل فجوة كبيرة بين تحفيز الطلب من جانب، وتحفيز العرض من جانب آخر، ولا تزال تلك الفجوة تتسع فترة بعد فترة، كان من أهم آثارها دخول الأسعار السوقية لمختلف الأصول العقارية في موجة متصاعدة لم تتوقف حتى تاريخه. فعلى مستوى التمويل - بصفته المحفز الرئيس للطلب -، وصل حجمه خلال الفترة كانون الثاني (يناير) 2017 حتى نهاية أيلول (سبتمبر) 2021 إلى 384.5 مليار ريال، بينما لم تتجاوز المصروفات من متحصلات الرسوم على الأراضي البيضاء (بصفتها المحفز الرئيس للعرض) خلال الفترة نفسها سقف 2.0 مليار ريال، أي: ما بلغت نسبته 0.5 في المائة من إجمالي التمويل العقاري الممنوح للأفراد، وهو ما سبقت الإشارة إليه في أكثر من مقال وتقرير سابق طوال تلك الفترة، والتأكيد على أهمية التصدي لآثاره العكسية على مستويات الأسعار السوقية لمختلف الأصول العقارية، ويؤمل أن يتم ذلك خلال أقرب وقت ممكن، خاصة بعد إعلان البدء بتنفيذ المرحلة الثانية من النظام في كل من الرياض وجدة والدمام، إضافة إلى 17 مدينة إضافية أخرى سيتم البدء بها بالعمل على تنفيذ المرحلة الأولى، والإشارة في هذا الخصوص على ما سبق تفصيل الحديث حوله فيما يتعلق بمنهجية احتساب الرسوم على الأراضي المشمولة بالنظام في المقال السابق، وأن يكون مبنيا على الأسعار السوقية خلال فترة الاحتساب، بعيدا عن المنهجية الراهنة، وكل ذلك بهدف رفع كفاءة وفعالية تنفيذ نظام الرسوم على الأراضي البيضاء.
يأتي الحديث الآن عن الجانب الأهم من موضوع التمويل العقاري المتمثل في منهجية سداده المنتظم من قبل المستفيد للتأكيد على أهمية مراجعة مبادئ التمويل المسؤول، بالخروج بها من منطقة السماح للممول باستقطاع ما تصل نسبته إلى 65 في المائة من صافي الدخل الشهري للمستفيد طوال الفترة الطويلة للسداد، والعودة بها إلى ما نسبته 30 في المائة كحد أقصى لنسبة الاستقطاع الشهري، وهي النسبة للاستقطاع وما دونها المعمول بها في أغلب الاقتصادات حول العالم.
تتجاوز الأهمية القصوى لمعالجة هذه المنهجية حدود المحافظة على الاستقرار المعيشي للأفراد والأسر، وصولا إلى دورها الرئيس في المحافظة على الاستقرار المالي والاقتصادي الكلي، وتحديدا على النشاطات والقطاعات الإنتاجية المحلية، التي بالمحافظة على الحصة الأكبر من قدرة الإنفاق والادخار لدى الأفراد، التي تصل هنا وفقا للتعديل المقترح أعلاه إلى 70 في المائة (النسبة المتممة)، عوضا عن 35 في المائة فقط (بعد خصم نسبة الاستقطاع المسموح بها البالغة 65 في المائة وفقا للمنهجية الراهنة)، أؤكد أنه بالمحافظة على تلك الحصة الأكبر لمصلحة بقية نشاطات الاقتصادات وقطاعاته الإنتاجية محليا، ستعزز فرص الاستقرار الاقتصادي والنمو المستدام بصورة أكبر، إضافة إلى المحافظة على أكبر قدر ممكن من قدرة القطاع الخاص على إيجاد مزيد من الفرص الوظيفية أمام الموارد البشرية المواطنة، وزيادة فرص تحسين مستويات الدخل، وكل ذلك في المجمل سيدفع إلى ارتفاع نسب الادخار والاستثمار على المستوى الكلي للاقتصاد الوطني، وهو الأمر الذي سيظل تحققه بعيدا وفق تلك المستويات المنشودة في ظل المنهجية الراهنة.
كما سيكون من الأهمية بمكان أن يعمل البنك المركزي السعودي، على رفع قيمة الغرامات على كل من يخالف تلك القواعد والمبادئ من الجهات الممولة، لتكون رادعة بما يكفي ولضمان الالتزام التام، وهو الأمر الذي لن يتحقق إلا إذا عادلت تلك الغرامات حجم الأرباح المتوقع تحققها للممول من أي مخالفة لقواعد ومبادئ التمويل، أو أن تتجاوزها بنسب معينة، وهي المنهجية التي ستكفل أعلى درجات الالتزام بالأنظمة والقواعد المقررة في المجال.
ختاما: لا بد من التأكيد على تفعيل كامل نظام الرهن العقاري المسجل، وإلزام كل الممولين بتطبيق جميع مواد النظام أثناء تنفيذ تعاقدات التمويل العقاري، وفي مقدمة تلك المواد الواجب الالتزام بها من قبل الممولين المادة الـ 18 التي تنص على (إذا حل أجل الدين وجب أداؤه، فإذا أداه المدين أخذ عقاره المرهون، وإن لم يؤده بيع العقار المرهون بطلب المرتهن، ويقدم على جميع الغرماء في استيفاء دينه من ثمنه وفقا لمرتبته شرعا ونظاما، فإذا بقي للمرتهن دين حاصص الغرماء في باقي أموال المدين كغيره من المدينين)، والعمل على منع إلزام الممولين للمستفيدين بتوقيع (سند أمر) بكامل القيمة المستحقة للقرض، وهو ما لم ينص عليه أي من أنظمة التمويل والرهن، وإلزام الممول بالاكتفاء نظاما بالرهن الذي بناء عليه منح للمستفيد القرض، وهو ما كفله النظام للمحافظة على حقوقه تجاه المدين، وهو الأمر التنظيمي بالغ الأهمية بحال تم إلزام الممولين به، الذي سيدفعهم إلى اتخاذ أعلى درجات الحيطة والحذر أثناء إتمام جميع إجراءات التمويل، خاصة فيما يتعلق بتثمين وتقييم العقار المخطط شراؤه ورهنه، وأن يكون كافيا لضمان حقوقه، وسيتأكد هذا بعد أن تم منعه من إجبار المقترض على توقيع (سند أمر) كضمان إضافي، وهو الأمر الذي لم تنص عليه أي من أنظمة التمويل والرهن، وهذا جانب مهم سيكون له حديث أوسع وأكثر تفصيلا في مقالات مقبلة بمشيئة الله تعالى.
إنشرها