Author

تقسيم الشركات الضخمة .. فرصة للنمو

|

هناك اتجاه متزايد من الشركات العالمية العملاقة متعددة الجنسيات للذهاب بعيدا، لتحقيق مزيد من التخصص في الأعمال والنشاطات والتركيز عليها من خلال تأسيس شركات أصغر.
ووفقا لتقرير نشرته "الاقتصادية"، أعلنت ثلاث شركات هي "جنرال إلكتريك" و"جونسون آند جونسون" و"توشيبا"، خططا لتقسيمها. فشركة جنرال إلكتريك - على سبيل المثال - ستنقسم إلى ثلاث شركات متخصصة في أنشطة تجارية منفصلة - الطيران، والصحة، والطاقة، وهذا الاتجاه للأعمال يحتاج إلى قراءة أكثر عمقا لفهم الأسباب الرئيسة الكامنة وراء مثل هذه التوجهات.
في البداية، إن أسباب التوسعات، التي شهدها قطاع الأعمال خلال الأعوام الأخيرة من القرن الماضي، كانت تعود بشكل أساسي إلى "فلسفة بورتر" لتحليل الأسواق والتنافسية، حيث كانت موازين قوى السوق تتجه إلى تعزيز مكانة هذه الشركات العملاقة نتيجة الاندماجات الكبرى، التي حصلت في ذلك الوقت، وعمليات الاستحواذ الرئيسة لتحقيق توسعات استراتيجية أفقية أو عمودية. إن كل تلك القوى كانت تؤكد ضرورة التوسع لهذه الشركات العملاقة حتى تستطيع التمدد في العالم وتحقيق مفهوم الشركات متعددة الجنسيات، وفي وقت كانت أنظمة الضرائب أكثر تساهلا مع هذه الشركات مع انتشار مفاهيم نقل التكنولوجيا وجذب رؤوس الأموال، لذلك توسعت الشركات بشكل أكبر، لكن المشهد الاقتصادي العالمي تغير بشكل لافت منذ انهيارات الشركات العالمية في بدايات القرن الحالي، خاصة انهيار شركة أنرون للطاقة. ونتيجة تلك الانهيارات تعززت قدرات أسواق المال والصناديق الاستثمارية، في المطالبة بتحسين حوكمة القرارات الاستراتيجية بشكل أساسي، ومنح المساهمين قوة أكبر في مواجهة التنفيذيين، كما أن انهيار الأسواق المالية تسبب في تآكل رؤوس الأموال بشكل لافت. كل هذه العوامل جعلت الشركات متعددة الجنسيات تعيد قراءة المشهد التنافسي، وتراجع دراسة تموضعها في الأسواق حفاظا على استدامتها.
ما يمكننا قوله في تحليل القرارات الاستراتيجية للشركات العالمية إن القواعد القديمة ما زالت تعمل، فمنهجية بورتر لتحليل التنافسية وقوى السوق هي التي تعيد صناعة القرار في الشركات العالمية، ذلك أن هناك منافسة أشد من الشركات الصينية التي تتحول يوما بعد يوم إلى شركات عالمية تنافس الشركات المعروفة مثل أبل، وجنرال إلكتريك وجونسون آند جونسون وتوشيبا، وغيرها، منافسة تتسم بالصراع على الحصص من خلال زحزحة أقدام هذه الشركات الراسخة في الأسواق بتقديم تكنولوجيا متقدمة ذات أسعار منافسة مستندة إلى نظام للأجور يسمح بهامش تنافسي واضح، كما أن دخول الذكاء الاصطناعي شكل مشهدا تنافسيا يجعل المؤسسات ذات الأحجام الكبيرة غير قادرة على الصمود، حيث المستودعات والمصانع الضخمة مع كثافة الأيدي العاملة.
فالذكاء الاصطناعي مكن من تقليل المساحات في المصانع، وخفض من الأيدي العاملة التقليدية، ما سمح بدخول شركات صغيرة ذات مرونة عالية على مستوى الأسواق المحلية، هذا كله يعد القرار نحو القاعدة الأساسية في الاقتصاد الرأسمالي وهي توزيع الأعمال بطريقة تضمن التخصص في العمل والإنتاج بكثافة، وهذا ما حدث فعليا.
فوفقا للتقرير المذكور، فإن هذا التوجه مؤشر لنموذج المجموعة الضخمة والمتنوعة في طريقه إلى الزوال قطعا، كما أشار متخصص في إعادة هيكلة الشركات إلى أن ترتيب الهيكلة بهذا الأسلوب يسمح للشركات "بصب تركيزها بشكل أكبر على أسواق واحدة، فشركة توشيبا، مثلا تم فصلها لعدة شركات تهتم بالبنى التحتية والأجهزة الإلكترونية مثل أشباه الموصلات، وستتخلى عن قطاع أجهزة الذاكرة، وكمثلها أعلنت مجموعة جونسون آند جونسون العملاقة للأدوية أنها ستفصل فرعها المتخصص في بيع المنتجات الصحية المخصصة للمستهلكين، مثل الضمادات الطبية اللاصقة ومسكن "تايلينول"، عن قسم الصيدلة، الذي يشمل لقاح كوفيد، كما أعلنت شركة "دوبونت"، أنها ستتخلى عن قطاع المنتجات الصناعية، وقامت شركة "آي بي إم"، بفصل "كيندريل"، التي تدير البنى التحتية المرتبطة بتكنولوجيا المعلومات.
هذا هو مشهد الأعمال نحو تأسيس شركات أصغر حجما وأكثر تخصصا، وتدار بشكل مستقل تماما، ما يعزز النمو بشكل قوي، ويسمح لها بتجاوز تحديات عولمة الضريبة، التي تم إقرارها أخيرا من 130 دولة وقعت على إصلاح ضريبي عالمي، يضمن أن تدفع الشركات متعددة الجنسيات ضريبة عند حد أدنى، فتقسيم العمل لمزيد من التخصص يسمح للشركات بمزيد من النمو وتوزيع رأس المال بشكل متناسب بين القطاعات، وفي مقابل ذلك ستجد هذه الشركات تقدير أسواق المال برفع قيمتها السوقية، خاصة عندما تكون أسعار الأسهم قبل الانقسام عند مستويات قياسية. هذا على الأقل ما يتوقعه خبراء الأسهم وهيكلة الشركات، فعندما تكون أسعار الأسهم عند ذروتها، ولا يمكنك تحقيق مزيد من النمو ضمن المنظومة، فإن تقسيم الشركة إلى شركات أصغر يوفر فرصا لنمو الأسعار من جديد.

إنشرها