الاستثمار في البحوث وأهميتها للنمو الاقتصادي «2 من 2»
تجد اقتصادات الأسواق الصاعدة والنامية أن تطويع المعرفة الأجنبية للظروف المحلية سبيل أفضل لتحقيق التنمية مقارنة بالاستثمار المباشر في البحث الأساسي داخليا. ونقيس ذلك بالنظر إلى البيانات المتوافرة عن رصيد الأبحاث، أي مقاييس المعرفة المتراكمة من خلال الإنفاق على الأبحاث.
إن زيادة المعرفة الأساسية الأجنبية بنسبة نقطة مئوية واحدة تؤدي إلى زيادة ما يسجل سنويا من براءات اختراع في اقتصادات الأسواق الصاعدة والنامية بنحو 0,9 نقطة مئوية عما يسجل في الاقتصادات المتقدمة. وحول الابتكار محرك أساسي لنمو الإنتاجية فالسؤال المطروح هنا: ما سبب أهمية براءات الاختراع؟ لأنها متغير يقاس الابتكار على أساسه. فزيادة رصيد براءات الاختراع بنسبة 1 في المائة من شأنها زيادة الإنتاجية بنسبة 0,04 في المائة لكل عامل. وقد لا تبدو هذه زيادة مؤثرة، لكنها كذلك إذا ما نظر إليها على أساس تراكمي. فالزيادات الصغيرة تحسن مستويات المعيشة بمرور الوقت.
وتشير تقديراتنا إلى أن حدوث زيادة دائمة قدرها 10 في المائة في رصيد أي بلد من أبحاثه الأساسية يمكن أن يرفع إنتاجيتها بنسبة 0,3 في المائة. أما الزيادة نفسها في رصيد الأبحاث الأساسية الأجنبية فتأثيرها أكبر، حيث ترتفع الإنتاجية بنسبة 0,6 في المائة. ولأن هذه أرقام متوسطة فقط، فمن المرجح أن يكون التأثير أكبر في الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية. وتضطلع العلوم الأساسية بدور أكبر في الابتكار الأخضر “بما في ذلك الموارد المتجددة” منه في التكنولوجيات غير النظيفة “مثل توربينات الغاز”، ما يشير إلى أن السياسات الداعمة للبحث الأساسي يمكن أن تساعد على معالجة تغير المناخ.
وبشأن سياسات من أجل مستقبل أقوى وأكثر شمولا للجميع لأنه ليس بإمكان الشركات الخاصة الحصول سوى على جزء بسيط من العائد المالي غير المؤكد للانخراط في البحث الأساسي، فإن استثماراتها غالبا ما تكون ضعيفة في هذا المجال، ما يشكل مبررا قويا لتدخل السياسة العامة. غير أن تصميم السياسات الصحيحة بما في ذك تحديد الكيفية التي تمول بها الأبحاث قد لا يخلو من الصعوبة. فعلى سبيل المثال، قد لا يكفي تمويل البحث الأساسي في الجامعات والمختبرات العامة فقط، فمن شأن هذا أن يضيع فرصة الاستفادة من أوجه تضافر مهمة بين القطاعين العام والخاص. وقد يصعب أيضا الفصل بين البحث الخاص الأساسي والتطبيقي من أجل تقديم الدعم المالي للبحث الأساسي فقط.
ويوضح تحليلنا أن اعتماد سياسة هجينة قابلة للتنفيذ تضاعف الدعم المالي للبحث الخاص -الأساسي والتطبيقي على السواء- وزيادة الإنفاق على البحث العام بمقدار الثلث من شأنها رفع نمو الإنتاجية في الاقتصادات المتقدمة بنسبة 0,2 نقطة مئوية سنويا. وعن طريق تحسين استهداف الدعم لأعمال البحث الأساسية وتوثيق التعاون البحثي بين القطاعين العام والخاص، يمكن إعطاء دفعة أكبر في هذا الخصوص، بتكلفة أقل على المالية العامة.
ومن شأن هذه الاستثمارات أن تبدأ في تغطية تكاليفها في غضون عشرة أعوام تقريبا ويصبح لها تأثير كبير في الدخول. وحسب تقديراتنا، فقد كان من الممكن أن يرتفع نصيب الفرد من الدخل بنحو 12 في المائة عما هو عليه الآن لو تم تنفيذ هذه الاستثمارات بين عامي 1960 و2018.
وأخيرا، نظرا لما ينتقل إلى الأسواق الصاعدة من تداعيات مهمة، فمن الضروري ضمان تدفق الأفكار بحرية والتعاون عبر الحدود.