Author

عندما يكون الخروج صعبا

|
تخيل أن تزور مجمعا تجاريا كبيرا لقضاء بعض حاجاتك. تتفاجأ عند زيارته بأنه أصبح مجددا، مبهرا ورائعا. مشكلة المواقف السابقة تمت معالجتها ويمكنك الوصول بسرعة وسهولة إلى أي من أبواب المجمع الكثيرة. وجدت عند بوابة الدخول شاشة إلكترونية تتحرك معك، ترشدك إلى أسرع طريقة للوصول إلى المتاجر التي تريد وتخبرهم بقدومك قبل أن تصلهم ليستعدوا لك ويجهزوا طلبك، وتعلمك بنسبة الخصم قبل الشراء. تجربة الدخول والشراء كانت أكثر من رائعة مقارنة بتجاربك السابقة.
هناك مشكلة واحدة فقط، لا يوجد إلا باب واحد للخروج، إرشاداته يدوية غير واضحة، ويصعب الوصول إليه. لن يسمح لك رجال الأمن بالخروج منه إلا بعد التفتيش والاستجواب، ستجد أنهم يطلبون منك أن تعود للمتاجر التي مررت بها نفسها، وتعيد ختم أوراقك من كل متجر، وإذا لم ترغب في القيام بذلك، عليك سداد قيمة كل خصم حصلت عليه من تلك المتاجر عند باب الخروج. عندما تخرج ستجد نفسك في مكان بعيد جدا عن موقف سيارتك، لأنك لن تعود من الباب الذي دخلت منه نفسه. تجربة الدخول رائعة لكن تجربة الخروج كانت مريرة. سؤال: هل ستعود لزيارة هذا المجمع التجاري؟
المشهد الثاني يقوم على وجودك في مستشفى ضخم، تعرف وتثق بأنه مليء بأفضل الأطباء. وأثناء مراحل العلاج، تضطر إلى التعامل مع أحد الموظفين بخصوص طلب عاجل ولا يحسن التعامل معك. تبحث عمن تصعد الأمر إليه لكن كل من تتحدث له يشير إليك باستخدام قناة الشكوى وخدمة العملاء الجديدة التي تنتشر صورها (رمز "الباركود") في كل زاوية وممر، لكن كل ما تخرج به هو مجيب آلي Chatbot يستقبل طلبك ويمنحك رقم تذكرة ووعدا بالرد السريع. حصولك على استجابة فورية أثناء تقديم الخدمة سيحدد مستوى رضاك عن الوجود في هذا المشفى، بغض النظر عن مستوى الأطباء ومقدار ثقتك بهم.
المشهد الأخير يخص المصرف الذي تتعامل معه. كانت تجربتك السابقة لفتح حساب بنكي عسيرة جدا. لكن في مشروعك الأخير، تمكنت من فتح الحساب لشركتك الصغيرة بعد عدة خطوات بسيطة وسريعة. والجهة التي تتعامل معها وكانت تتأخر في السداد أصبحت أسرع بشكل معقول وموثوق. قدرتك على تدوير النقد بشكل كاف تساعدك على النمو والاستمرار. أول ما يخاف منه مالك المشروع هو التعثر النقدي والعجز أمام الموردين وقبل ذلك الموظفين. بعد جولة من الثقة المتبادلة بينك وبين مصرفك المتجدد، تشعر بأن المصرف يبادلك المزاح بأسلوب من العيار الثقيل، يجمد حسابك طالبا تحديث بياناتك، ويبدأ معك جولة طويلة ومملة من تسليم وتمحيص المستندات التي تؤيد وجود مشروعك على أرض الواقع، ومن ذلك طلبات بالختم والتصديق والزيارات الميدانية وإعادة إصدار مؤيدات الصلاحيات. التعثر في إدارة الأمور النقدية لبضعة أسابيع كفيل بتدمير ثقة تم بناؤها في أشهر وأعوام.
عبر قبل أيام عدد من المغردين عن استيائهم من صعوبة إنهاء التسجيل وإغلاق الملفات في الجهات النظامية عند رغبة صاحب العمل التجاري التخارج من عمله. تكثر التفاصيل التي تناقش تحت هذا الموضوع، والأكيد أن هناك تباينا في الإجراءات بين هذه الجهات واختفاء للتناغم في مرحلة الإنهاء مقارنة بمرحلة التأسيس.
التغيير الذي حصل في الأعوام الأخيرة ضخم جدا، وجعل كثيرا من التفاصيل تحدث بانسيابية غير معهودة، للتقنية فضل كبير وللإرادة والعمل الجدي قبل ذلك الفضل الأكبر. يمكن إسقاط المشاهد أعلاه على أكثر من سياق من سياقات التحسين التي تتبعثر نتائجها لأنها لا تكتمل بالشكل المطلوب. كنا في السابق نحتفل بتدشين شيء لم يصنع بعد، واليوم تغيرت الحال وأصبحنا نرى كثيرا من النتائج الجيدة على أرض الواقع، وانتقل جزء كبير من ثقافة الاحتفال إلى مرحلة النتيجة والأثر. لكن الحافز الحقيقي يكتمل باكتمال التجربة سواء كانت في مرحلة الدخول أو الخروج. تجربة ليست مجرد بداية أو استخدام، هي دورة تبدأ وتنتهي، وتحسينها يستمر من البداية إلى النهاية، تأجيل المعاناة إلى مرحلة لاحقة، أو تحسين تجربة الدخول فقط وتجاهل المراحل الأخرى لن يعكس القيمة المستهدفة بل يبعثر كثيرا من الجهود العظيمة. سهولة الخروج من عالم الأعمال، والتخارج العادل والسريع من الالتزامات، من أهم محفزات الدخول.
إنشرها