مبادرات قيادية وأدوار استراتيجية
تولي المملكة العربية السعودية اهتماما كبيرا للمناسبات العالمية، بحكم مكانتها المرموقة في المحافل الدولية، وأهميتها السياسية، والاقتصادية، والدبلوماسية، ودورها الاستراتيجي، ومبادراتها النوعية لخدمة البشرية والإنسانية، ومن هنا جاءت الكلمة الضافية لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في أعمال قمة قادة مجموعة العشرين، التي انطلقت أعمالها في العاصمة الإيطالية روما، لتؤكد الرسالة الإنسانية للسعودية، وأن هذه الرسالة واضحة بكل المفاهيم في جميع القرارات التي تتخذها الرياض.
نعلم أن العالم كان أمام تحد غير مسبوق عندما انتشر فيروس كورونا المستجد من شرق الأرض إلى غربها بسرعة اندلاع النار في الهشيم، وقد أدركت السعودية خطورة هذا الأمر منذ بدايته وتأثيراته في جميع النواحي الإنسانية، سواء في جانبها الصحي، أو الاقتصادي، ولذا اتخذت إجراءات احترازية عديدة، ومنها إغلاق المطارات والحدود، للسيطرة على الفيروس وسرعة انتشاره قبل أن يخرج عن السيطرة تماما.
وأثبتت الأحداث على الصعيد العالمي أن القرارات التي اتخذتها الحكومة السعودية تعد الأمثل والأنجع، وظهرت نتائجها الإيجابية أخيرا، ولأن رسالة السعودية إنسانية في المقام الأول، كانت رئاستها أعمال مجموعة العشرين في أوج اندلاع الأزمة تمثل حدثا مهما للعالم أجمع، فالالتزام بالإجراءات الصحية التي من بينها تعليق الأنشطة الاقتصادية، والسفر، يتطلب دعما كبيرا للمؤسسات الاقتصادية المتضررة مباشرة.
وهنا أوضح الملك سلمان بن عبدالعزيز، في كلمته بالأمس، تلك الظروف الحرجة التي مرت على دول مجموعة العشرين واللحظات الحاسمة التي تتطلب وحدة في القرار، وأن يكون قرارا إنسانيا في المقام الأول، حيث قال “لقد تطلبت ظروف الجائحة أن تنهض مجموعة العشرين بدورها المحوري لمواجهتها، وبالفعل بادرت دولنا باتخاذ إجراءات غير مسبوقة للتعامل معها، وفي هذا الشأن، قادت المملكة العام الماضي، بتعاونكم، جهود الاستجابة الدولية لهذه الجائحة، وآثارها الصحية والاقتصادية والاجتماعية”.
وتضمنت تلك الاستجابة قرارات لم يشهدها التاريخ من قبل ولا حتى في أزمة انتشار فيروس الإنفلونزا الإسبانية، ولا في أعوام الكساد الكبير، حيث ضخت دول العشرين ما يزيد على 11 تريليونا من الدعم، كما نفذت إجراءات حاسمة تجاه الديون على الدول التي تعاني فوائد القروض على أساس إعادة توجيه هذه المبالغ نحو مواجهة آثار الجائحة.
الدور السعودي في قمة مجموعة العشرين في الرياض كان مهما جدا، وأسهم في اتخاذ قرارات لافتة على الصعيد الإنساني، وفي دعم العمل الدولي، وأثمرت تلك الجهود في نجاح البشرية في اكتشاف عدة لقاحات في وقت قياسي، مع تمويل عالمي ضخم مشترك.
كلمات خادم الحرمين في افتتاح أعمال القمة في إيطاليا، ركزت على الدعوة إلى التعاون الإنساني المستمر، فرغم أن السعودية بدأت مسيرة الخروج من الأزمة، وأنها ضمن أعلى دول العالم في توزيع اللقاحات، إلا أن رسالتها الإنسانية فرضت عليها الاهتمام بالمتضررين، ومن تعثر بهم الطريق.
الملك سلمان أشار في خطابه إلى أن الاقتصاد العالمي لا يزال يعاني تبعات الجائحة و”أن الدول ذات الدخل المنخفض تواجه صعوبة الحصول على اللقاحات وتوزيعها، ومن هنا تبرز أهمية دور مجموعة العشرين في تعزيز التعاون والمساعدة على حصولها على اللقاحات”.
هذه العبارات تقدم دعما قويا لهذه الدول التي لم تكن على طاولة الحدث الأكبر عالميا، والشعوب التي لم يكن هناك من يمثلها في الحوار العالمي، وفي أعمال القمة، لكن خادم الحرمين الشريفين، أكد من خلال ذلك، قيم السعودية ودورها القيادي في هذا الشأن.
ولأن الشيء بالشيء يذكر، فإن التغير المناخي يؤثر اليوم في الدول الأقل نمو بشكل واضح، خصوصا في ظل تزايد احتياجات العالم للطاقة، وفي هذا الصدد، فإن الرياض تلتزم دائما بإيجاد التوازن لتحقيق أمن واستقرار أسواق الطاقة، وستواصل دورها الرائد في تزويد العالم بالطاقة النظيفة، من خلال دعم مزيد من الابتكار والتطوير، إلى جانب دعوتها إلى حلول أكثر استدامة وشمولية.
إن هذه التعهدات التي تضمنها السعودية للعالم من خلال أكبر قمة عالمية، تؤكدها الأفعال على أرض الواقع، فقد أنهت في الأسبوع الماضي قمة مبادرة الشرق الأوسط الأخضر التي شارك وحضرها قادة بارزون من المنطقة والعالم بهدف تعزيز التعاون وتوحيد الجهود نحو تنفيذ الالتزامات البيئية، وقد ترأس الأمير محمد بن سلمان، هذه القمة، وأكد فيها أن السعودية ستعمل على إنشاء مجمع إقليمي لاستخلاص الكربون واستخدامه وتخزينه، وكذلك تأسيس مركز إقليمي للتنمية المستدامة للثروة السمكية للإسهام في رفع التنوع البيولوجي البحري وخفض مستوى الانبعاثات في قطاع الأسماك نحو 15 في المائة، وإنشاء برنامج إقليمي لاستمطار السحب للإسهام في رفع مستوى الهاطل المطري بنحو 20 في المائة، ويأتي هذا المحور منسجما مع ما تناقشه قمة العشرين في موضوع قضية المناخ.