السعودية والإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية

تعد السعودية من البلدان التي تشهد تغييرات جذرية سريعة على المستويين الاجتماعي والاقتصادي، فأغلبية سكانها من الشباب (67 في المائة من سكانها تحت سن 34، 66 في المائة) وأكمل معظمهم دراساتهم الجامعية خارج البلاد، حيث سهلت لهم الدولة منحا تعليمية في شكل بعثات تعليمية، وهذا البرنامح قدم لهؤلاء الشباب فرص الالتحاق بجامعات مختلفة وفق تخصصات متنوعة، وهؤلاء الفئة من الشباب يتمتعون بصحة أفضل وبمستوى تعليمي أرقى، كما أنهم يتميزون بالبراعة في مسائل التكنولوجيا ووسائل التواصل مع العالم، ومتعطشون للتغيير الحياتي.
ومن أكثر الإصلاحات شهرة واحتفاء خلال الأعوام الأخيرة الإصلاح المتمثل في منح المرأة السعودية الإذن بقيادة السيارة. وقبل البدء بتطبيق هذا الإصلاح، اعتقد كثيرون أنه لن يحظى بشعبية لدى عامة الناس، لكن كانت النتيجة إيجابية ومقنعة. ولمعرفة ذلك، عمل "المركز السعودي لاستطلاعات الرأي"، وهو منظمة مستقلة غير ربحية ومرخصة من جانب وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، بمهمة قياس الرأي العام. وأجرى المركز استطلاعا لرأي المواطنين السعوديين ممن تبلغ أعمارهم 15 عاما فأكثر، من خلال قائمة عشوائية من أرقام الهواتف حيث أظهرت النتائج دعما قويا لهذا الإصلاح. وأشارت نتائج الاستطلاع إلى أن الأغلبية وهي نحو ثلثي السكان كانت مؤيدة للفكرة قبل أن تصبح قانونا. وبفضل هذه المعلومات، مضى صناع القرار السعوديون قدما في تطبيق هذه التغييرات، فحصلت عشرات الآلاف من النساء السعوديات على رخص القيادة؛ ما زاد من حرية تنقلهن. كما يتعاون واضعو السياسات بشكل متزايد مع منظمات استطلاعات الرأي؛ ما يتيح لصناع القرار الفرصة لإشراك الرأي العام في عملية وضع السياسات الوطنية.
وفي أوائل 2021، أجرى "المركز السعودي لاستطلاعات الرأي" دراسة لقياس الرأي العام بشأن رؤية المملكة 2030؛ ما سلط الضوء مرة أخرى على التغيير الديناميكي الذي تشهده البلاد، حيث يعتقد 90 في المائة من السكان أن فرص عمل المرأة آخذة في الازدياد، بينما يعتقد 88 في المائة منهم، أن رؤية 2030 أسهمت في الارتقاء بمستوى الأداء الحكومي. ولاحظت النسبة ذاتها (88 في المائة) أن هناك أوجه تحسن في قطاع الأنشطة الترفيهية وجودة الحياة. والأهم من ذلك، وخلال استطلاع أجري في 2018، تبين أن 80 في المائة من السكان يؤيدون التغيير في قوانين الوصاية التي من شأنها أن تمنح حريات أكبر للنساء الأرامل والمطلقات.
ولا يمثل ما سبق سوى النزر اليسير من التحرك الأكبر نحو هدف تحقيق المساواة بين الجنسين في المملكة، فقد تم منح النساء القدرة على الحصول على جوازات سفرهن الخاصة بهن، والسفر بحرية تامة ودون قيود وهي حريات تعدها النساء في بقاع كثيرة من العالم من الأمور المسلم بها لتسهيل حركة المرأة وتعاملها مع نشاطات المجتمع المتنوعة. ومع ذلك ربما كانت التغييرات التي حدثت في المجال الاقتصادي هي الأعمق.
وابتداء من 2017، تم إطلاق عدة برامج لتسهيل دخول المرأة السعودية إلى سوق العمل، مثل برنامجي "قرة" و"وصول" اللذين يقدمان الرعاية للأطفال ووسائل النقل المدعومة على التوالي. فضلا عن ذلك، فقد جرى تطبيق الكثير من الإصلاحات في مجال العمل التي قضت على التمييز بين الجنسين في التوظيف، وسدت الفجوات في الأجور بين الجنسين، كما تم إصدار قوانين تتعلق بحماية المرأة في أماكن العمل؛ ما شجع المزيد من السعوديات على الالتحاق بسوق العمل.
وأظهرت استطلاعات الرأي مرة أخرى دعما بنسبة 99 في المائة لدخول المرأة سوق العمل، و96 في المائة لتولي المرأة مناصب قيادية في مجال الأعمال. النساء اللواتي اطلعن على هذه البيانات، كن أكثر ميلا للتقدم لوظيفة ذات أجر أعلى خارج المنزل. ونتيجة لذلك، فقد شهدت معظم القطاعات العملية اقتحام النساء لها؛ ما رفع معدلات التوظيف فيها بنسب عالية مقارنة بالفترات السابقة.
وأدى التغيير الذي طال القوانين والآراء، إلى إحداث تغييرات جذرية في فترة زمنية قصيرة، وسرعان ما تحررت النساء من عدم السماح لهن بالقيادة، فأصبحن سائقات سيارات أجرة يعملن لحسابهن الخاص (أو "قبطانات" كما هو معروف محليا) من خلال التطبيقات الذكية لنقل الركاب مثل "أوبر"، ومثيله من التطبيقات المحلية المنافسة مثل "لينا". وأيضا توصيل طلبات الطعام.
وبدلا من أن تتسبب جائحة فيروس كورونا في إيقاف مثل هذه التغييرات، فقد أثبتت أنها شكلت حافزا إضافيا لزيادة توظيف المرأة في المملكة. فمنذ أن بدأت الجائحة، فاق عدد النساء عدد الرجال الذين انضموا إلى سوق العمل من جميع الفئات العمرية، وبشكل خاص النساء في مقتبل العمر من 30 إلى 49 عاما.
ويمكن تفسير الكثير مما يحدث في أي بلد من خلال ما يسوده من أعراف ومعايير ثقافية، ويمكن لهذه الأعراف والمعايير الثقافية أن تتغير بشكل أسرع بكثير مما يتوقعه معظم الناس. وينطبق هذا الأمر بشكل خاص على بلد شاب وديناميكي مثل السعودية، حيث يتعاون صناع القرار المهتمون بتشكيل المستقبل في المملكة بشكل متزايد مع منظمات استطلاعات الرأي مثل "المركز السعودي لاستطلاعات الرأي" التي تعمل على تعزيز صوت المواطن وتوفير قناة تتيح الفرص لصناع القرار لإشراك الرأي العام في عملية وضع السياسات الوطنية. وتعد المشاركة المتمحورة حول المواطنين أساسية لتوطيد الثقة فيما بين الحكومة ومواطنيها، كما تعد حيوية لتحسين عملية وضع السياسات القائمة على الشواهد والأدلة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي