44 شركة عالمية .. ما الجديد؟

انتهت يوم أمس فعالية مبادرة مستقبل الاستثمار في الرياض وهي جزء من الزخم المميز في الفترة الماضية الذي يعكس الحراك الاقتصادي في المنطقة، خصوصا في فترة ما بعد الجائحة. وبعيدا عن كل ما حدث أخيرا من خطوات لافتة مثل إعلان الاستراتيجية الوطنية للاستثمار أو حركة الاكتتابات الاستثنائية المتوقعة وغير ذلك من المؤشرات الصحية التي يستحقها أكبر اقتصاد في المنطقة، ماذا يعني قدوم 44 شركة عالمية لفتح مقارها الإقليمية في مدينة الرياض؟ هناك في الحقيقة عدد كبير من المكاسب المختلفة لكن أود لفت الانتباه إلى ثلاثة جوانب مهمة. الأول ما يخص الشباب وأصحاب المواهب، والثاني ما يخص القطاعات التي تحركها هذه الشركات، والثالث الدور التنافسي الإيجابي لتجمعات الأعمال على مستوى المملكة والمنطقة.
وجود الشركات العالمية بشكل أكبر من مجرد منافذ بيع أو تسويق يعني حضورا معتبرا للعقل الجمعي لهذه المنظمات، لن يكون بطبيعة الحال مماثلا أو بديلا لحضورها الأساسي في مقارها الأصلية لكن سيشكل تدفقا أكبر من قياداتها وأفكارها للمنطقة، وهذا يعني وجود عمل منظماتي متقدم ومتفاعل مع الخبرات والتجارب العالمية، إدارات إقليمية أكبر، وتوجيه لعمليات المنطقة من مدينة مثل الرياض. وهذا يمنح الفرصة لتدوير المواهب والمهارات بجودة أعلى، ويسمح لدمج الإمكانات البشرية بشكل أكثر فاعلية يعظم من الخبرة المكتسبة لمن يعمل في هذه الشركات أو يتعامل معها. ولدينا كثير من الأمثلة لشركات سابقة تمركزت في المملكة وقادت أسواق المنطقة منها على سبيل المثال: بعض شركات الـ FMCG أو الشركات المنتجات الاستهلاكية سريعة التلف التي رأينا فيها كيف يقود شاب سعودي منتجا محددا على مستوى الشرق الأوسط، "وربما شمل غرب آسيا وشرق أوروبا"، ويدرس ويحدد ويشارك في آلية إنتاج وتسويق وبيع هذا المنتج في دول مختلفة لها إمكانات لوجستية مختلفة وخصائص سلوكية واستهلاكية مختلفة. ورأينا كذلك في المجال نفسه وفي بعض المجالات الأخرى المشابهة كيف تدير القيادات المحلية الخدمات المهنية المقدمة في مجموعة من الدول من مقارها في جدة أو الرياض، وهذا يحدث في شركات الاستشارات المهنية العالمية. مزيد من المقار الإقليمية للشركات العالمية يعني مزيدا من التأثر والتأثير، ما يمنحنا مزيدا من الحوافز المهيئة لتعزيز القيادات البشرية المختصة، وهو طريق مفتوح يجري فيه السعوديون والسعوديات بكل اقتدار.
لو نظرنا إلى القطاعات التي تجمع الشركات الـ 44 لوجدنا أنها تتمركز حول الاستشارات والتقنية والرعاية الصحية والهندسة والبناء والأغذية والطاقة. وهذا طبيعي فهو يتلاقى مع القطاعات التي تتسم بالنمو وتعكس الزخم والاهتمام المحلي. وجود المقار الإقليمية لشركات عالمية في هذه القطاعات يعني إعادة ترتيب قيادة القطاعات وربما إعادة ترتيب المنافسة وتفاعل اللاعبين في هذا القطاع. وهذا أمر إيجابي، منه حدوث زخم لوجستي يصنع عددا من اللاعبين الجدد في القطاع، يدعمون ويتكاملون مع أعضاء القطاع، وقد يعني وجود أذرع جديدة تمتد للمناطق المجاورة وتنطلق من المملكة، ويرفع من مستوى الاهتمام بالقطاع بعد أن يرتفع صوت القطاع أمام الجهات التنظيمية والتشريعية. وجود المقار الإقليمية يعني كذلك تجمع المختصين في هذا القطاع، ما يسمح بتدوير المعرفة المختصة على مستوى القطاع، خصوصا ما يخص التقييس والمعايرة وأفضل الممارسات.
عند الحديث عن الدور التنافسي لتجمعات الأعمال فنحن نتحدث عن عوامل الجذب للأعمال على مستوى التجمعات clusters، وليس الدولة فقط، هناك اليوم عدد من تجمعات الأعمال المحلية والإقليمية وكل بدأ في مسيرة النضج بشكل مختلف نتجت عنه خصائص جاذبة مختلفة، ومع مزيد من الاهتمام بهذه التجمعات سنرى تزايدا في هذه الفوارق. على سبيل المثال، المدن الكبرى ستحتوي من امتيازات البنى التحتية والحضرية ما يميزها، بينما ستحضر المدن الصناعية "مثل الجبيل وينبع" بمجموعات أخرى من المميزات اللوجستية والصناعية، وبعد حضور المناطق الحرة قريبا - بإذن الله - ستكتمل باقة الخيارات التي تطرح للشركة العالمية حين تختار القدوم لدولة مثل المملكة، وكل هذه التجمعات ستكون في تكامل وتنافس على مستوى المنطقة كذلك، وهذا أمر إيجابي، فتعدد الخيارات وتكاملها مطلب ومتوقع حدوثه في القريب العاجل. حضور مثل هذه الشركات الـ 44 يصنع الأمثلة ويجسد الرغبات المختلفة التي تنظر عند تصميم وتجهيز تجمعات الأعمال في كل جوانبها التشريعية والتنظيمية والبيئية وغير ذلك.
وبالطبع هذا الحراك له محاذيره خصوصا التنافسية، لكن الجهات الرقابية والتنظيمية هي المسؤولة عن إيجاد التوازن الجيد الذي يمنح المميزات ولا ينهي صغار اللاعبين المحليين أو المواهب الوطنية. الأكيد أن كل شركة عالمية تحضر وتفتح مقرها الإقليمي لدينا تستفيد بلا شك وتؤثر في الوقت نفسه في بيئة الأعمال بشكل إيجابي، سواء كنا نتحدث عن المواهب أو التنافس أو الأنظمة والتجهيزات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي