Author

المواصفات المعيارية في يومها العالمي

|
عندما نقول مواصفات معيارية لمنتج مطلوب، أو خدمات نحتاج إليها، أو إجراءات نرغب فيها، فنحن نتحدث عن توصيف مرجعي لهذه المعطيات المختلفة، تم وضعه من قبل خبراء مختصين في موضوعاتها، كما تم اعتماده من قبل جهات مسؤولة. وقد تكون هذه الجهات دولية، كما هو الحال في كل من: منظمة المواصفات المعيارية الدولية ISO، المسؤولة عن المواصفات في مختلف المجالات، أو الهيئة الدولية للتقنية الكهربائية IEC، المسؤولة عن المواصفات المرتبطة بهذه التقنية، أو الاتحاد الدولي للاتصالات ITU، المسؤول عن المواصفات في مجالات الاتصالات. وقد تكون هذه الجهات محلية، كما هو الحال في الهيئتين السعوديتين: الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة SASO التي تمثل المملكة في كل من منظمة المواصفات المعيارية الدولية، والهيئة الدولية للتقنية الكهربائية، وهيئة الاتصالات وتقنية المعلومات CITC التي تمثل المملكة في الاتحاد الدولي للاتصالات. وهناك جهات صناعية وأخرى مهنية حول العالم تضع مواصفات معيارية لمعطيات مختلفة يجري تنفيذها ضمن دائرة تأثير هذه الجهات.
تم إنشاء المنظمات الدولية الثلاث سابقة الذكر، بشكلها الحالي، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945، وسعي العالم إلى إيجاد نظام دولي، يشمل جوانب تقنية يستطيع الجميع الاستفادة من معطياتها. واختيرت سويسرا الدولة الأوروبية التي اشتهرت بالسلام، وبالذات مدينة جنيف، لاستضافة المقرر الرئيس لكل من هذه المنظمات. وقد اتفقت هذه المنظمات عام 1970 على جعل يوم الـ 14 من تشرين الأول (أكتوبر) يوما سنويا عالميا للمواصفات المعيارية، وقد أتى اختيار هذا اليوم تأكيدا على أهمية اللقاء التمهيدي الأول الخاص بالتوجه نحو تأسيس المنظمات الثلاث الذي عقد في لندن في 14 تشرين الأول (أكتوبر) عام 1946. وبمناسبة مرور ذكرى هذا اليوم، قبل أيام ليست بعيدة، يهتم هذا المقال بإلقاء الضوء على بعض المواصفات المعيارية الدولية الرئيسة الأكثر استخداما على مستوى العالم، ثم طرح بعض الفوائد المهمة لمثل هذه المواصفات.
إذا بدأنا بإلقاء الضوء على بعض المواصفات المعيارية الدولية الأكثر استخداما، فلعلنا نلاحظ ونحن ننظر إلى ما حولنا في كل غرفة أو قاعة أن الجهد الكهربائي 220 فولتا، يحيط بنا من كل جانب في جميع مآخذ التيار الكهربائي، يقدم إلينا ما نحتاج إليه من طاقة، بما في ذلك الإنارة التي أضاءت ليالي الحياة. هذا الجهد الكهربائي، وكذلك الجهد 110 فولتات هما مواصفات معيارية معتمدة يجري استخدامهما حول العالم، ليقدما بذلك مرجعية عالمية مفتوحة لجهد التغذية الكهربائية لمختلف أنواع الأجهزة الكهربائية. وبالطبع هناك مواصفات معيارية مرجعية لمختلف الأجهزة والسلع المطروحة في الأسواق.
وفي إطار مزيد من المواصفات المعيارية العالمية الأكثر استخداما، هناك ثلاث مجموعات من المواصفات لموضوعات تهتم بإدارة شؤون المؤسسات على اختلاف أعمالها وأحجامها، وتستهدف خدمة الإنسان أينما كان. المجموعة الأولى هي مجموعة ISO/IEC 9000 التي تقدم مواصفات معيارية لإجراءات إدارة العمل في المؤسسات، تحقق لها مخرجات تتمتع بالجودة اللازمة. وكثيرا ما نجد علامات تشير إلى هذه المجموعة على بعض المنتجات، مثل بعض قوارير المياه، كدليل على التزامها بهذه المواصفات.
وننتقل إلى المجموعة الثانية من المواصفات الأكثر استخداما، ألا وهي المجموعة ISO/IEC 27000 التي تعطي مواصفات معيارية حول كيفية إدارة أمن المعلومات، وحماية العالم السيبراني في المؤسسات. وتسعى المؤسسات إلى العمل بهذه المواصفات من أجل حماية ذاتها من ناحية، ومن أجل التوافق في ذلك مع المؤسسات الأخرى، خصوصا تلك التي تتعامل معها، في إطار العالم السيبراني الذي يحيط بالجميع. ونصل إلى المجموعة الثالثة، وهي مجموعة ISO/IEC 14000 التي تهتم بتقديم مواصفات لإجراءات تختص بشؤون الأداء البيئي والمحافظة على الشروط الملائمة لحياة الإنسان. ولا شك أن هذا الأمر يدخل في إطار مسؤولية المؤسسات، ودورها في حياة أبقى للإنسان، وتوجهها نحو الإسهام في تحقيق مستقبل أفضل.
بناء على ما سبق، نجد أن المواصفات المعيارية ليست فقط للأجهزة والسلع والخدمات، بل هي للإجراءات الإدارية أيضا. وفي نظرة عامة إلى المواصفات المعيارية، تركز على الفوائد العامة المستهدفة التي تقدمها، سنطرح فيما يلي فائدتين رئيستين هما: التوافق والانفتاح على الجميع، إضافة إلى الجودة والأمان.
إذا بدأنا بالتوافق والانفتاح على الجميع، نجد أن جميع المؤسسات أينما كانت، تحصل، عبر المواصفات المعيارية، على مرجعية عامة وضعها خبراء، تتضمن الأساليب التي ينبغي اتباعها في الإجراءات، أو الصفات التي يجب أن تتمتع بها السلع والخدمات. ويعطي هذا الأمر، لجميع المؤسسات، قاعدة مشتركة للتعامل فيما بينها، كما هو الحال في المؤسسات العاملة في الفضاء السيبراني والملتزمة بمواصفات المجموعة ISO/IEC 27000. ويسمح هذا الأمر أيضا للمنتجات والسلع المقدمة من مؤسسات مختلفة، في مجال معين، بالعمل في إطار مشترك يستوعبها معا، كما هو الحال في الأجهزة الكهربائية التي تعمل على الجهد الكهربائي 220 فولتا.
وننتقل إلى موضوع الجودة والأمان، حيث تحرص المواصفات، أيا كان موضوعها، سواء سلع أو خدمات أو إجراءات، على الجودة، بمعنى ضمان تحقيق هذه السلعة أو تلك الخدمة أو ذاك الإجراء لما وضع من أجله دون أي معوقات، ويضاف إلى ذلك ضمان أمان السلعة أو الخدمة أو الإجراء، أي ضمان مستوى فاعل من القدرة على تجنب التحديات، ومن حسن إدارة الوقاية منها عند الحاجة. وهناك فوائد أخرى للمواصفات المعيارية، لعلنا نعود إليها في مقالات مقبلة - بإذن الله.
لا شك أن المواصفات المعيارية، في مختلف الموضوعات، باتت ضرورة للجميع، في عالم يتجه نحو التكامل والتعاون، والعمل المشترك. ولا بد في الختام من الإشارة إلى مسألة مهمة ينبغي ذكرها، وهي أن المواصفات المعيارية سواء كانت دولية أو محلية، لا تتطلع بالضرورة إلى أفضل ما يمكن، بل تستهدف ما هو مقبول ومرض، في إطار الموضوع المطروح. والميزة هنا أن الجميع يجب أن يسعى إلى ذلك كحد أدنى، والباب بعد ذلك مفتوح لمزيد من المواصفات الإضافية الخاصة التي يمكن أن تميز إجراءات أو خدمات أو سلعا مستهدفة.
إنشرها