Author

كيف تفكر السعودية حتى 2030؟

|

اقتصادي في السياسات الاقتصادية وإدارة استراتيجيات الأعمال والشراكات الاستراتيجية.

قبل أن تكتمل عناصر أي بلد لقوتها الإنتاجية وتعدد مصادر دخلها، تمر في الأغلب بسيطرة المزارعين ثم العقاريين ثم التجاريين وأخيرا الصناعيين على التوالي، وتأتي قوى الإنتاج المتنوعة في النهاية كمزيج من التنوع الاقتصادي بين تلك المجموعات تاريخيا، التي بدورها يتعين أن تؤثر في الرصيد الوطني من النقد الأجنبي في مجالي التجارة والخدمات، القابلين للتصدير من القطاع الخاص، وهذا الأمر غير مطرد ويختلف بين الدول، بحسب عناصر الإنتاج المتاحة والفكر الاقتصادي السائد والظروف التاريخية.
محاولات استقطاب العقاريين أو التجاريين إلى مجالات الصناعة والإنتاج المتنوع للمشاركة في التنوع الاقتصادي قد لا تكون تجربة مضمونة، وقد حاول كثير من البلاد التي تعتمد على نظريات التنمية التقليدية القفز نحو النتائج مباشرة دون أن تضع أي وسيط تحول ما بين المراحل التي توجد بها فراغات، سواء في المنافسة أو رأس المال أو القوى البشرية التنفيذية أو عوز الممكنات التنظيمية أو التشريعية أو هشاشة البيئة الاستثمارية أو نقص عدد المواطنين العاملين في التجارة وريادة الأعمال.
فترة 2016 إلى 2021، تمثل مرحلة تحول جوهري في تاريخ الاقتصاد السعودي، شهدت خلالها المملكة إصلاحات واسعة شملت تجديدا مؤسسيا قائما على التقنية والرشاقة التنفيذية للمسؤولين ومساءلة التنفيذيين وتفكيك حصون البيروقراطيين التي طالما حمت نفسها بسلسلة من إجراءات وسلطات تقديرية غير خاضعة لحوكمة حقيقية - ومع الأسف - ظهرت نتائجها في صور انتهاكات مالية وفساد واستغلال وممارسات انتهازية، لذا أطلق خادم الحرمين الشريفين وولي عهده - حفظهما الله - يد الأجهزة الرقابية لحماية المال والملكيات العامة، ومنع الإثراء غير المشروع، فالقيادة أدركت أن تلك الممارسات تؤدي لتفاوت اجتماعي هائل، ولا يمكن معالجته بالسياسات الاقتصادية والاجتماعية مهما كانت واسعة، ولأنه لا يمكن الجمع بين مكاسب انتهازية خارج قوانين الاقتصاد وبين العمل الحقيقي، أي: القائم على الإنتاج الفعلي للمواطنين والوافدين، أطلق عراب "الرؤية" الأمير محمد بن سلمان حوكمة تنظيمية واقتصادية مزدوجة، وفي الوقت نفسه، أطلق استراتيجيات متعددة المستويات شملت ترقية القدرات الاقتصادية والبشرية القائمة، وتأسيس قطاعات جديدة، ومراقبة كفاءة الانفاق والعائد على رأس المال، وتوزيع الرصيد الوطني من الائتمان بين القطاعات، وأطلق مبادرات لتمكين القدرات البشرية من الجنسين، وسهل دخول جيل جديد من رواد الأعمال، وجعل صندوق الاستثمارات العامة وسيط تحول اقتصاديا داخليا، وأعاد تنظيم القطاع العقاري على أسس تنافسية، بهدف تكوين مزيج من التنوع الاقتصادي وزيادة الصادرات غير النفطية، أي: إننا نسعى إلى رفع تنافسية جميع القطاعات لضمان دخل متاح عال للمستهلكين.
ختاما: كشفت لنا السعودية عن أنها اعتمدت نموذجا اقتصاديا شاملا وعميقا، ليصبح اقتصادها بنهاية 2030 من أكبر 15 اقتصادا في العالم عبر استراتيجيات تنفيذية متعددة المستويات تغطي الاقتصاد الصناعي واقتصاد المناطق والاقتصاد الحضري والاقتصاد الريفي والاقتصاد المشترك بين القطاع الخاص والحكومة واقتصاد شركات الحكومة.
إنشرها