Author

في يوم الوطن .. بماذا نتباهى؟

|
لنا أن نتباهى في يوم الوطن بحبنا للوطن، وربما بتاريخه العريق والأصيل، وربما بقادته العظام، أو بعلمائه الكرام، وربما بمراحل التنمية المهيبة التي قفزت به وبنا من حال إلى حال. ولنا في التباهي بمكتسبات اليوم ما لا ينقطع الحديث حوله من إنجازات يشهد بها الجميع، في حاضر الوطن وفي الآفاق. ربما عد لنا أحدهم منتجا صناعيا يباع في دولة أخرى، وربما بنية تحتية رفعنا بها الهمم عاليا، وربما تقنية حديثة سهلت علينا وعلى من يطأ أرضنا حياته، لكن في نظري كل هذا لا يشبه شيئا من التباهي بالشباب والفتيات الذين يحملون مشعل الوطن وشعلة الأمل.
من ينظر إلى اليد التي حملت المسؤولية اليوم، وحماسها وتأهيلها، وتمرسها في طريق العلم والتعلم، وانطلاقها في ساحة الحياة والتجارب، سيفهم جودة وقيمة هذه البذرة التي بمثلها تقفز الأوطان والأمم. أحيانا، يشاهد أحدهم حماس مراهق أو خطأ حدث، يتأسف على الشباب الذي يضيع فيما لا فائدة له. وربما عمم وأجرى من أحكامه ما يسود أيامه ولياليه. لكن من يقترب من الشباب والشابات، في محيط الإنتاجية والعمل، شركة كانت أو فريقا تطوعيا، مسابقة أو حاضنة أعمال، سيعرف أن هذا الجيل مختلف، وسيفهم أن المقبل سيكون امتدادا قويا لواقع رائع وقيم.
خدم كل جيل في مرحلته كما يجب، بعد أن تم تأهيله بأفضل المتوافر حينها. لكن هذا الجيل الحالي، وأعني كل من هو في مراحل الدراسة حتى الأعوام الأولى من الحياة الوظيفية هو جيل مميز باقتدار. ستجد أن معظم هؤلاء حظوا بتعليم مميز، وأتيحت لهم مصادر مجانية للمعرفة لا حدود لها. كما أنهم رأوا من العالم وتفاعلاته ما لم يره أي جيل سابق على وجه الأرض. وعند هؤلاء لا تعد اللغة عائقا، سواء بسبب اهتمامهم الشخصي أو كثافة المحتوى ثنائي اللغة أو محيط التعلم والعمل. وهم أيضا مستقلون في قراراتهم بشكل غير معهود ومستقلون في حياتهم ويومياتهم قبل ذلك. وهذا كله ينبئ بكثير من القيمة التي تصنع شخصيات مؤثرة ومستقلة وذاتية في إضفاء القيمة المطلوبة. بالطبع، لهذه الاختلافات التي يختص بها هذا الجيل جوانب سلبية كذلك، لكنها محط اهتمامهم واكتشافهم ولن تجد لها - بإذن الله - طريقا للتأثير السلبي.
لماذا نتباهى بهذا الجيل المختلف؟ لأنه جيل متعلم، مهتم، ضليع في التقنية، متنوع الاهتمامات والاختصاصات، منتج ومؤثر. لا يمكن مقارنة ما يتاح لهم اليوم من اختصاصات أكاديمية ومهنية متنوعة بما كان في السابق. كانت الخيارات محدودة، طبا وهندسة ثم كل شيء آخر. بينما اليوم ستجد التنافس بين التخصصات بأنواعها هندسية أو طبية أو علمية أو إدارية وقانونية، وكل له جمهوره ومهتموه، ودوائره المهنية المؤثرة. في السابق كان الوعي التقني مجرد اختيار لفئة محدودة تملك امتياز وفرصة التعامل مع التقنية، اليوم المسألة مختلفة تماما. في السابق كانت القدرة على ممارسة الهوايات المختلفة محدودة، لكن اليوم ستجد تجمعات ومجتمعات متميزة وغنية بعمق الممارسة، سواء كنت تتحدث عمن هوايته في الهواء أو في الأرض أو في الماء أو العقول، كل لدينا منه كثير. وهذا من شأنه إثراء تفاعلاتنا وقيمتنا وسعادتنا كوطن ومجتمع وأفراد.
سنتباهى بجيل يتحول من التعامل مع الوظيفة كمتطلب حياتي نظامي يبحث به عن الاستقرار والركون، إلى التعامل مع الوظيفة كمكان للاستمتاع بالوقت والصحبة والنتيجة، ويصنع بذلك القيمة، بجيل يبحث عن العمل سواء كان في شركة ضخمة أو مع فريق ناشئ، ويملك الشجاعة على القيام بذلك وإن صعب على والديه فهم هذا. هو جيل لديه الجرأة على تغيير عمله خلال أشهر قليلة إذا لم ير شيئا يتعلمه ويضيف إليه. هو جيل يعمل ليصنع القيمة، ويتنافس ليحفز نفسه، ويقضي يومه باستمتاع، ويحارب ليدمج عطاءه بما يأخذ. كل ما تحقق سابقا هو أمانة في أيدي هذا الجيل، الذي سينقل الوطن بكل اقتدار إلى مستقبله الزاهي. بمثل هؤلاء تحدث القفزات، وبهذه الهمم يحق لنا أن نفخر، وهو أعز ما يمكن أن نتباهى به في يوم الوطن.
إنشرها