Author

تنمية القدرات البشرية .. ما الجديد؟

|
تم الإعلان قبل يومين عن برنامج تنمية القدرات البشرية، وربما يسأل القارئ: لقد رأينا أخيرا كثيرا من المبادرات التي تهتم بالعنصر البشري، ما الجديد هنا؟ من ينظر إلى وثيقة البرنامج يعرف أن هناك كثيرا مما يستحق التوقف، وربما اعتاد بعضنا على رؤية المبادرات والبرامج من وقت لآخر، لكن اليوم يتم التعامل مع عدد كبير من التحديات بشكل مؤطر ومستهدفات موحدة. على قمة هذه المستهدفات أن يكون المواطن - والعمل جار على هذا بكل جدية - منافسا عالميا كقدرة بشرية، بكل ما تعنيه الكلمة من تفصيل يناسب واقعنا واحتياجاتنا.
ولو قفزنا بعيدا بعض الشيء عن الإطار ومكوناته من أهداف وركائز وقدرات وذهبنا إلى تقييم الوضع الحالي الذي تتحدث عنه وثيقة الإعلان عن البرنامج لفهمنا مستوى الجدية في التعامل مع هذا المحور المهم من محاور "الرؤية"، خصوصا عند معرفة التحديات التي تواجهها المنظومة الوطنية عبر مراحلها المختلفة - التعليم الأساسي، التعليم العالي والتدريب التقني والمهني، والتعلم مدى الحياة. تذكر الوثيقة بكل شفافية أنه رغم التحولات الإيجابية التي تطرأ على منظومة التعليم العام في المملكة، إلا أن العملية التعليمية لا تزال تواجه عديدا من التحديات، وحدد البرنامج عددا من الأسباب التي أدت إلى ذلك. انخفاض معدل الالتحاق بالتعليم قبل الابتدائي مقارنة بدول متقدمة ودول أخرى في المنطقة أول هذه الحقائق، وما يرتبط به من تدن في معدل الإنفاق في مرحلة الطفولة المبكرة رغم ارتفاع الإنفاق على التعليم عموما. غياب المرونة والتجديد بالشكل المطلوب، خصوصا في المراحل المبكرة يشكل تحديا آخر، ينعكس في عدم التركيز على العلوم والفنون وتوزيع المناهج الاختيارية والإلزامية وقلة التركيز الكافي بالأنشطة اللاصفية والإثرائية، إضافة إلى انخفاض عدد أيام الدراسة الفعلية. ورغم الجهود الكبيرة المرتبطة بمحدودية اكتشاف الموهوبين والأشخاص ذوي الإعاقة إلا أن هناك خمسة تحديات رئيسة مرتبطة بالتعليم الخاص وتدور حول جاهزية البنية التحتية، وقدرات المعلمين، ومحدودية التشخيص المبكر، وتكييف المناهج لاستيعاب هذه الفئة وغياب السياسة العامة لاكتشاف ورعاية الموهوبين.
تشير قائمة التحديات كذلك إلى تفاوت مستوى اهتمام المعلمين في المملكة الذي يعود إلى محدودية ربط تقييم أداء المعلومية بجودة المخرجات - تحصيل الطلاب - إضافة إلى مستوى جودة برامج إعداد المعلمين ومحدودية خيارات التطوير المهني وقلة أنشطة وبرامج تعزيز القيم وغرسها. وارتباطا بذلك، ينظر لموضوع حوكمة النظام التعليمي كتحد حقيقي يتطلب المواجهة ويختص بإدارة المركزية في اتخاذ القرارات ومحدودية دور القيادات التعليمية في المدارس في المشاركة بذلك وتداخل الجهود المتعلقة بضمان الجودة. ولا يخفى من التحديات الأخرى أمور مهمة وجوهرية مثل انخفاض مشاركة أولياء الأمور ومحدودية الإرشاد والتوجيه وضعف تطبيق قواعد السلوك.
ومثل ذلك هناك قائمة من التحديات المرتبطة بالتعليم العالي والتدريب التقني والمهني وأشير إلى أحدها وأهمها، وهي: "انخفاض مشاركة المهنيين المتمرسين من ذوي الخبرة في التعليم" وهذا يعد من أهم مرتكزات الاندماج والاستفادة من الخبرات الوطنية والمعرفة المتراكمة. ومن الجميل المرور بتركيز غير معتاد على التحديات التي تندرج تحت بند "التعلم مدى الحياة" وفيها ما يخص التعليم المستمر وتعليم الكبار وإعادة التأهيل والتعرف على المهارات من خلال الأطر والشهادات والحوافز المتاحة لمن هم خارج منظومة التعليم والتدريب الراغبون في مواصلة تعليمهم.
كانت هذه نبذة مختصرة عن التحديات الموثقة بشكل جيد مثبتة بالأرقام والدراسات التي يسعى البرنامج لمواجهتها عن طريق الاستفادة من الجهود السابقة والاستثمار في جهود جديدة مركزة للغرض نفسه. تغطي استراتيجية تنفيذ البرنامج بشكل واضح كل مراحل التعليم التي تضيف مرحلة "التعلم مدى الحياة" كمرحلة أساسية ضمن المراحل الثلاث، وتغطي مكونات عدة منسقة بشكل واضح تمثل المجتمع ومكوناته ومنظومة القدرات البشرية ومنظومة الممكنات.
إذن ما المخرج النهائي الذي نتحدث عنه؟ هو مواطن منافس عالميا بـ 12 سمة رئيسة من ضمنها: مفكر مبدع، مفكر تحليلي، متقن للأمور المالي، مرن وإيجابي، منضبط ومتقن للتقنية. وكيف سيحدث ذلك؟ بالاعتماد على استراتيجية التنفيذ التي تنسق التقاطعات الحالية بين دائرة الممكنات وبرامج "الرؤية" الأخرى، إذ تندرج تحت ذلك محفظة المبادرات التي تتكون من 89 مبادرة موزعة على ركائز البرنامج المختلفة. تدشين هذا البرنامج يمثل مرحلة مهمة تتم فيها إعادة ترتيب وتركيز الجهود الكبيرة التي تضعها المملكة في طريق التعلم والتعليم، والجميع بلا استثناء مشارك فيها ومتطلع لرؤية نتائجها.
إنشرها