Author

تضخم أسعار الغذاء العالمية

|

تسببت جائحة كورونا والإغلاق العظيم وتراجع الاقتصادات والدخول الذي نتج عنها تغير سلوكيات المجتمعات، وخصوصا في مجال استهلاك الطعام، وخفض استهلاك الطعام خارج المنازل وزيادة استهلاكه وتخزينه في داخلها. ودفعت هذه التغيرات وارتفاع سعر الدولار عند بداية الأزمة بأسعار الغذاء إلى أعلى في أسواق التجزئة. وحدثت زيادات أسعار الأطعمة بالنسبة للمستهلك النهائي على الرغم من تراجع أسعار المواد الأساسية بما فيها الأغذية في النصف الأول 2020، حيث تراجعت أسعار المنتجين العالمية في أيار (مايو) 2020 بنحو 11 في المائة مقارنة بمستوياتها عند نهاية 2019. وتسببت الجائحة في بدايتها بإحداث تناقض بين مسيرتي أسعار التجزئة وأسعار منتجي الأطعمة الأساسية.
تراجعت تأثيرات الجائحة نسبيا خلال الفترة الأخيرة في معظم دول العالم، بسبب حملات التطعيم والسياسات والتعامل الأفضل مع الجائحة. وشهدت أسعار الأغذية الأساسية السنوية زيادات كبيرة على مستويات الجملة بعد التراجع الذي حصل في بدايتها. وعلى الرغم من الزيادة الكبيرة في أسعار المنتجين السنوية إلا أن تأثيرها ونفاذها إلى أسعار المستهلكين سيتأخر وسيكون جزئيا. ومن المتوقع تأخر تأثير زيادة أسعار المنتجين في أسعار التجزئة لعدة أشهر إلى عام. ومن حسن الحظ أيضا أن أسعار التجزئة سترتفع بنسبة تقل كثيرا عن ارتفاع أسعار منتجيها، حيث تنخفض معدلات نفاذ الأسعار إلى ما يقارب نسبة 20 في المائة. وهذا راجع إلى دخول عديد من الخدمات وعمليات التصنيع والمعالجة في صناعة الأغذية حتى تصل إلى المستهلك النهائي. ويحصل المنتج الأولي للسلع الزراعية على نسب منخفضة من سعرها النهائي بينما يذهب معظم السعر لتغطية تكاليف النقل والمعالجة والتصنيع والتغليف والتعبئة والتسويق وأرباح الوسطاء.
شهدت أسعار الغذاء العالمية خلال الأشهر الـ 12 المنصرمة زيادات في عشرة أشهر منها، بينما تراجعت أسعار الغذاء الأساسي العالمية في شهرين. وعلى العموم فقد ارتفعت أسعار الغذاء الأساسي السنوية في آب (أغسطس) 2021 بنسبة 32.9 في المائة مقارنة بالشهر نفسه في 2020. وجاءت هذه الزيادة نتيجة ارتفاع أسعار مكونات المؤشر الرئيسة، وهي الحبوب واللحوم والزيوت ومنتجات الألبان والسكر. وارتفعت أسعار الحبوب السنوية في آب (أغسطس) 2021 بنسبة 31.1 في المائة، لتراجع توقعات إنتاج بعض الحبوب في الدول الرئيسة المنتجة. من جانب آخر قفزت أسعار زيوت الطعام بأعلى نسبة بين المكونات الرئيسة حيث تضخمت بنسبة 67.9 في المائة في آب (أغسطس) 2021 مقارنة بمستوياتها العام الماضي. وشهدت أسعار السكر صعودا قويا خلال عام حيث ارتفعت بنسبة 48.1 في المائة، وذلك بسبب القلق حول إنتاج البرازيل أكبر منتجي السكر في العالم. أما أسعار اللحوم السنوية، فقد ارتفعت بنسبة 22 في المائة في آب (أغسطس) 2021، وتركزت الزيادة في أسعار الدجاج ولحوم الأبقار. وكانت أسعار منتجات الألبان السنوية الأقل ارتفاعا بين المجموعات الرئيسة خلال الفترة، حيث نمت بنحو 13.9 في المائة في آب (أغسطس) الماضي.
ارتفعت أسعار الأغذية العالمية نتيجة عدة عوامل مؤثرة في إمداداتها والطلب عليها. ومن أبرز تلك العوامل، الطلب القوي على الأطعمة البشرية وتغذية الحيوانات خصوصا من قبل بعض الدول الكبرى سكانيا كالصين، وكذلك ميل المجتمعات لتخزين الطعام بمستويات أكبر من السابق. وجاءت زيادة الأسعار أيضا بسبب تأثر بعض كبار منتجي الغذاء العالميين بظاهرة النينو والقلق حول الإمدادات. كما تأثرت أسعار عدد من الأغذية الأساسية بنمو الطلب على الوقود الحيوي الذي يأتي من سلع معينة كالسكر والذرة. قامت بعض الدول بفرض قيود على صادرات أطعمة أساسية؛ ما أضاف إلى العوامل الدافعة للأسعار. إضافة إلى ذلك، تأثرت أسعار الأطعمة أيضا بارتفاع تكاليف شحن الأغذية عبر بحار العالم. وتضاعفت تكاليف النقل البحري بضعفين أو ثلاثة أضعاف خلال العام المنصرم، أما بالنسبة لأسعار النقل البري فقد ارتفعت في كثير من مناطق العالم بسبب زيادة أسعار الوقود مقارنة بالعام الماضي وكذلك النقص في سائقي الشاحنات.
ارتفاع أسعار الأغذية الأساسية العالمية بنسبة 30 في المائة مع افتراض نسبة نفاذ 20 في المائة يعنيان زيادة أسعار الأطعمة في محال التجزئة بنحو 6 في المائة. طبعا سيكون هناك اختلاف بين الدول في نسب ارتفاع الأسعار، حيث سترتفع أسعار التجزئة بنسبة أكبر في الدول الأكثر اعتمادا على واردات الأطعمة بينما ستكون أقل في الدول المكتفية بالإنتاج المحلي. وتعاني الشرائح السكانية الأقل دخلا تضخم أسعار الطعام أكثر من غيرها. وكانت الدول في السابق تفرض قيودا أكثر على تجارة الطعام، كما كانت تقدم دعما لأسعار المواد الأساسية، لهذا كانت معدلات نفاذ الأسعار وتأثر الأسواق المحلية بالأسعار العالمية أقل. وحد هذا من تأثر الشرائح السكانية الضعيفة بارتفاعات الأسعار سابقا. أما في الوقت الحالي وبعد العولمة واتفاقيات تحرير التجارة، فإن الأسواق المحلية خصوصا في الدول النامية أكثر حساسية تجاه تقلبات الأسعار العالمية، نظرا لإلغاء معظم دعم الأسعار وانفتاح أغلب دول العالم على الأسواق العالمية وتأثرها بدرجة أكبر بتقلبات الأسعار العالمية.

إنشرها