بلا ضمير .. لا مكان لهم

من المؤكد أن التحولات الرئيسة، التي شهدتها المملكة العربية السعودية في مكافحة الفساد والحزم في ذلك، تعود بفضلها - بعد توفيق الله - إلى العمل المخطط، وفق قواعد حوكمة شاملة قادها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بنفسه، منذ صدور الأمر الملكي بتشكيل لجنة عليا برئاسة ولي العهد، والنجاح الكبير الذي حققته تلك اللجنة في عملها، التي أصبحت أنموذجا استراتيجيا يحتذى، سواء في عدد من تم التحقيق معهم، أو أسلوب معالجة القضايا، واسترداد الحقوق العامة.
وفي السياق نفسه، نشير إلى حديث سابق لولي العهد عن تلك الجهود التي بذلت من أجل إعادة هيكلة الجهاز الحكومي، ومركز الدولة، وهو الدور الذي مكن من فرض سياسات العمل المنظم في مختلف الجهات، وإعادة هيكلة القطاعات وحوكمتها بشكل عملي ومؤسساتي لضمان القضاء على مشكلة تعارض المصالح، مع ما تم من جهود لإصلاح الأنظمة، ومن ذلك صدور نظام مكافحة غسل الأموال، وتعديلات نظام مكافحة الرشوة. كما صدر أخيرا نظام الانضباط الوظيفي، وجميع هذه الجهود مكنت من استكمال عناصر الحوكمة التي تهدف إلى مكافحة الفساد، وتعمل مع باقي برامج رؤية المملكة 2030 على تحقيق مستهدفات التنمية المستدامة.
وهنا نستذكر العبارات العظيمة التي توجت الأمر الملكي الخاص بتشكيل لجنة عليا لمكافحة الفساد عام 1439هـ، التي أكدت أنها تأتي استشعارا لخطورة الفساد وآثاره السيئة في الدولة سياسيا، وأمنيا، واقتصاديا، واجتماعيا، واعتبار الذين اعتدوا على المال العام أنهم لم يكن لديهم وازع من دين، أو ضمير، أو أخلاق، أو وطنية، مستغلين نفوذهم والسلطة التي اؤتمنوا عليها، وساعدهم في ذلك تقصير البعض ممن عملوا في الأجهزة المعنية.
ولقد أثبتت الأحداث الاقتصادية الكارثية، التي مرت على بعض الأمم المتقدمة منها والناشئة، خطـورة الفسـاد، وأنه لا شيء يمكنه القضاء على الفساد كمثل سيادة القانون، من خلال تمكين أسس الحوكمة القوية من العمل بمؤسسات وهياكل تجد دعمها من القيادة التي تعزز ثقافة النزاهة في المجتمعات. وفي هذا الصدد، أقرت المادة الخامسة من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد عددا من الممارسات الواجبة لمكافحة الفساد والوقاية منه، ومن ذلك وضــع وتنفيــذ سياسات فاعلة منسقة لمكافحة الفساد، تعزز مشاركة المجتمع، وتجسد سـيادة القانون، وتمكن من حسن إدارة الشؤون، والممتلكات العمومية، والنزاهة، والشفافية، والمساءلة.
ورغم أن نشأة هذه الاتفاقية تمت في عام 2003، إلا أن الجهود الدولية لمكافحة الفساد لم تتجاوز منظومة تعزيز الثقافة، ونشر مفاهيم النزاهة، دون ممارسات حقيقية تجسد معنى مكافحة الفساد في الواقع بحزم وقوة، وهذا ما جعل الفساد يتلون بأشكال عدة. لكن هذا المشهد تغير تماما في السعودية منذ تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان عبدالعزيز مقاليد الحكم، وتولي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد، الذي أكد في أكثر من مناسبة أنه لا نجاة لكل من تورط في فساد، وأن السعودية عازمة كل العزم على اقتلاع هذه الآفة من المجتمع، مهما كانت الأسماء المتورطة في الفساد، أو حجم الأموال، أو الأحداث، والمناصب.
ولقد منحت الدولة فرصة كبيرة لاستيعاب هذه الرسالة، قبل أن تنطلق الحملة الأساسية لاقتلاع الفساد من قمة الهيكل الإداري الحكومي، ثم إعادة هيكلة المؤسسات الرقابية لضمان استدامة العمل، وأن تصبح مكافحة الفساد أكثر من مجرد حملة، بل ثقافة في المجتمع، ولها مؤسساتها، ورجالاتها. وهذا تماما ما أشارت إليه المادة الخامسة من اتفاقية الأمم المتحدة التي نصت أيضا على أن تسعى كل دولة إلى إرساء، وترويج ممارسات فاعلة، تستهدف منع الفساد، وإجـراء تقييـم دوري لمدى كفاءتها في منع الفساد، ومكافحته.
السعودية وهي تعمل جاهدة على اقتلاع الفساد من جذوره، تؤكد دعمها لاتفاقية الأمم المتحدة، وتسير وفقا لنهج دولي يضمن سيادة القانون، ويحقق متطلبات التنمية المستدامة، وهو ما يمنح الجميع ثقة بالدولة، وبجميع مؤسساتها، ما يعزز الاستثمارات، ويجذب رؤوس الأموال.
في ظل هذه الأعمال الكبيرة والتطبيقات الموسعة لمفاهيم حوكمة المال العام، وتأكيدا للالتزام الصارم بكلمات خادم الحرمين الشريفين في أن يتم تطبيق أنظمة مكافحة الفساد على الصغير والكبير، ولا نخشى في الله لومة لائم، نجد ذلك التنوع في القضايا التي يتم الكشف عنها، سواء في المستويات الإدارية التي لا تستثني كبار المسؤولين في الدولة من القطاعين العسكري والمدني، وصولا إلى أدنى درجات السلم الإداري، الجميع سيخضع للنظام، مهما كان حجم المبالغ، أو حتى لو كانت من نوع إساءة استخدام السلطة للضغط على أشخاص آخرين للتنازل عن حقوقهم، كل كذلك في مجهر الفساد يظهر كبيرا ولن يفلت من العقاب، فهناك اليوم استراتيجية منظمة جدا تحت إشراف ولي العهد مباشرة، وتعمل على مراقبة جميع الأجهزة ذات الاختصاص، للكشف عن الفساد. وإذا كان البعض يجد في المنصب، أو المكانة فرصة للتهرب من الإجراءات الإدارية، فإنه لن يفلت من مراقبة، وتتبع تضخم الحسابات البنكية دون وجه حق، ولن يفلت من الملاحقة القانونية لمجرد تقاعده، أو مغادرته للمنصب أو حتى فراره لخارج البلاد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي