مساران مهمان

سمعت رأيا حول سبب لجوء الشركات العالمية إلى تصنيع في الصين يغير بعض المفاهيم المترسخة في أذهان الكثيرين حول العالم، وهي المفاهيم المرتبطة برخص أسعار الأيدي العاملة في الصين، وصاحب الرأي يقول إن الصين ليست اليوم أرخص مكان في العالم، لكنها اليوم صاحبة أكبر عدد من أصحاب المهارات في مكان واحد. لقد أسست الصين عبر عقود من الزمن لهذه المهارة عبر الممارسة والتعليم والتركيز حتى تصبح مصنع العالم. تذكرت هذا الرأي وأنا أقرأ الخبر الإيجابي المهم جدا لاقتصادنا، وهو تحقيق الصادرات غير النفطية خلال يونيو 2021 أعلى رقم في تاريخها، وهو 23.5 مليار ريال، وهذا يمثل ترجمة عملية لمستهدفات رؤية المملكة 2030، بتنويع مصادر الدخل الوطني، ورفع نسبة الصادرات غير النفطية من 16 في المائة إلى 50 في المائة على الأقل من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي.
إذن، المنتجات السعودية تسير بثبات نحو تحقيق تنافسية معقولة، ووصولها إلى 148 دولة حول العالم، خاصة إلى الصين والهند اللتين تمثلان اثنتين من كبريات الاقتصادات العالمية، ما يعكس نمو القدرة التنافسية للمنتج السعودي وتطوره، وقدرته على التوسع وغزو أسواق جديدة وغير تقليدية، ويبعث على التفاؤل ومزيد من العمل.
نحن نتحدث عن بناء قدرات المصنعين، وأيضا مساندة المصدرين، وكلا الأمرين توليه الحكومة اهتماما شديدا وستتوالى النتائج الأفضل تباعا مع التحولات الأخرى التي عادة ما تصاحب التحولات الاقتصادية، ومن أهمها الوصول إلى مرحلة البلد الصناعي والمجتمع الصناعي.
عرفت بعض الدول القوية والمتقدمة هذه التجربة، والمتأمل في مسيرتها يجد أن السير الواثق والمتسارع نحو أنماط الإنتاج والتصدير يستلزم، أو هو يحدث، تغيرات اجتماعية واقتصادية وسلوكية وعلمية وتعليمية، وهذا يعني في المحصلة إنشاء قيم جديدة، وأفكار وفلسفات وخيالات تصب جميعها في الإبداع والإنتاج. الصناعة، كما فعلت الزراعة في مرحلة تاريخية معينة، تعيد تشكيل المجتمعات من عدة نواح، لعل أهمها هنا رفع القيمة الاقتصادية للإبداع والابتكار، وتلك الأفكار التي تتحول إلى منتجات.
المبهج أكثر أن مجتمعنا، وهو يسير في هذا الطريق، هو أيضا يخطو خطوات كثيرة وكبيرة في تكوين المجتمع "ما بعد الصناعي"، وهي المرحلة التي تصل إليها المجتمعات التي يولد قطاع الخدمات في اقتصادها ثروة أكبر من القطاع الصناعي.
إذن، نحن على مسارين مهمين، حيث يمر الاقتصاد بمرحلة تعظيم الإنتاج الصناعي والتصدير، وهو أيضا يولد كثيرا من الخدمات، ويجعل من المعرفة شيئا ذا قيمة لتنمية الثروات وتنمية العقول. نحن اليوم ننافس أنفسنا كما ننافس ونواكب المتفوقين في العالم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي