Author

فهم الاقتصاد وتحديد أولويات الاهتمام

|
يهتم الفرد بالشأن الاقتصادي العام، وهذا طبيعي فهو يتأثر به في كل حركة معيشية ينفذها. وستسمع من الفرد غير المختص تساؤلات وآراء مختلفة معظمها يقع تحت إطار محاولة الفهم والبعض الآخر لإبداء الرأي والنقد. ولا تدخل هذه المواضيع التي تناقش تحت قائمة المواضيع الاقتصادية العامة فقط، لكن قد تكون مالية شخصية أو مقارنة لخيارات استثمارية، أو تهتم بظاهرة محلية عقارية وغير ذلك من الاهتمامات الاقتصادية والمالية المتنامية. نسمع باستمرار ما يشير إلى وجود اهتمامات استثنائية حول سوق الأسهم وتجارة الذهب والعملات وبكل تأكيد العملات الرقمية وسرقاتها "خلال الأسبوع الماضي، تمكن قراصنة من سرقة 600 مليون دولار من الأصول الرقمية". ولا يمكن استثناء رأس المال الجريء والعقارات المدرة للدخل من القائمة. ربط التأثر بالاهتمام قد يغير من ترتيب هذه القائمة المتنوعة المثيرة التي يتفاوت الحديث حولها فنيا وموضوعيا بشكل كبير.
لا يمكن بأي حال من الأحوال الاعتراض على اهتمامات الأفراد، للفرد غير المتخصص كامل الحرية في تحديد اهتماماته الجانبية وكيفية تناولها طرحا واستيعابا، والثقافة الاقتصادية والمالية هي ثقافة جميلة ومفيدة للفرد دون أدنى شك. حتى لو تحدث أحدهم بصرامة عن رأيه في ربط الريال بالدولار أو حاول تفنيد حالة ارتفاع الأسعار، فهذا قد يعكس درجة من الإحاطة بالظروف والسياقات المختلفة والمعقدة التي تؤثر في الحالة الاقتصادية.
لو تحدث أحدهم عن فئة من فئات الاستثمار محاولا استدراك تفاصيلها مع مجموعة تلم بذلك، وحاول ربطها بما يقوم به من تخطيط استثماري لخرج بأثر إيجابي في طريقة تفكيره وسلوكه الاستثماري، وهو بذلك يكسب نقطة ثمينة. لكن جزء كبير من ملامح هذا الاهتمام العام تقول: إن الأفراد يستهلكون مقدارا كبيرا من طاقة التعلم لديهم في السعي خلف أولويات غير منطقية. مثل من يتابع أسعار بيع الأبراج الضخمة وهو يعرف تماما بأنه لن يشارك كبائع أو مشتر أو وسيط، ولن يتأثر بأي صفقة من هذا النوع والحجم. ومثله من يلاحق العملات الرقمية والأسهم دون أن يملك خطة استثمارية، أو من يهتم بفهم عالم الاستثمار وهو لم يسيطر بعد على مداخيله.
ومثل ذلك مسألة الأسعار، الأشهر التي تمر ونحن نحاول فهم المشكلة تمثل خسارة زمنية ثمينة إن لم نقم خلالها بمحاولة التأقلم والتعايش. تغير الأسعار أمر جدي يتطلب إعادة ترتيب لأولويات التخطيط المالي الفردي والأسري، وهذا يعني البحث عن مداخيل جديدة تحافظ على مستوى المعيشة المطلوب أو ضبط المصروفات أو كليهما.
الاهتمام بمسألة الأسعار حق عام مكفول للجميع، والتعبير عن إرهاصاتها مقبول بل مفيد إذا اتسم بالموضوعية. لكنه لا يأتي كأولوية على الاهتمام بإدارة الشأن المالي الشخصي، بل يأتي بعد ذلك.
يخطئ البعض عندما يعتقد أنه يستطيع الوصول إلى خلاصة واضحة بخصوص تحليله الوضع الاقتصادي. الوضع الاقتصادي معقد ومتغير جدا، مليء بالتوقعات والعناصر غير القابلة للتنبؤ. بل حتى قياس تغيراته التاريخية مبني على كم هائل من الافتراضات والمصادر المختلفة للمعلومات، ما يجعل تفسير ذلك قابلا للتغير والاختلاف، من الطبيعي أن يختلف الاقتصاديون على كثير من التفاصيل. وإذا دمجت الاقتصاد بالمتغيرات الأخرى يتدنى مستوى الموضوعية بشكل كبير بسبب تحديات القياس والوصول إلى المعلومة، بعض هذه التفاصيل يمكن رؤيته بوضوح بعد مرور الوقت وبعضها لن يخدمه الوقت ليصبح أكثر وضوحا. يزداد التعقيد إذا تعمقنا أكثر، الحديث عن سوق أو قطاع ما كثيرا ما يدور حول العرض والطلب اللذين يختلفان حسب المكان والزمان، كثيرا ما تكون هناك حركة قوية من العرض والطلب خارج إطار ما نراه، ما ينتج عنه فهم ناقص أو تفسير مخل، هي قوى تؤثر ولا ترى.
من الجيد أن يؤسس الفرد نفسه بشكل جيد لفهم الاقتصاد وما يتفرع منه وما يرتبط به من علوم. يجتمع بذلك كثير من الفائدة والمتعة، ومن حقه أن يتحدث بما يفهم ويعتقد كيفما أراد. لكن ليس من الحكمة أن يقدم الاهتمام بهذه المواضيع على ما يمكن أن يؤثر فيه بشكل مباشر ويتأثر به في حياته، مثل زيادة دخله، وترتيب شؤونه المالية، ومعرفة الفرص التي تحيط به.
إنشرها