Author

«روشن» وتعزيز جودة البناء للأحياء السكنية

|
متخصص في المعاملات المالية، مستشار في المالية الإسلامية ـ الجامعة السعودية الإلكترونية
لا شك أن المنزل هو الملكية الأهم للفرد، فكثير من الأبناء يظل الحصول على منزل هاجسا يراوده إلى أن يحصل عليه ولا يشعر بالاستقرار إلا بعد أن يتمكن من الانتقال إلى منزل العمر، كما يحلو لكثيرين تسميته. ويرى المواطن أنه بمجرد حصوله على منزل يملكه بشكل كامل، فالجزء الأكبر من احتياجه قد حصل عليه. وليس الأمر مرتبطا بالمواطن في المملكة، ففي معظم دول العالم يعد الحصول على المنزل هو الأهم بين أي ممتلكات أخرى، ولذلك نجد أن العقار يعد ثمنه غاليا وترتفع أسعاره بشكل أكبر في المدن والتجمعات التي يكون النشاط الاقتصادي فيها أضخم، حيث إنه كلما كان لدى المجتمع وفرة مادية أكبر وجدنا أسعار العقار ترتفع بشكل هائل، حتى مع وجود إجراءات قد تخفف من حدة الارتفاعات، إلا أن الطلب يكون غالبا أقوى والثقة بالاستثمار في أعز ما يمكن أن يملكه الإنسان أقوى وأكبر، وهو ما يفسر الارتفاعات في أسعار العقار المتواصلة والمستمرة. ومع وجود مثل هذا التحدي، فمن المهم العمل على إيجاد حلول تخفف حدة هذه الارتفاعات مع الإيفاء بالمتطلبات التي يحتاج إليها الفرد في السكن الذي سيمضي معظم حياته فيه. ومن هنا جاءت فكرة مشاريع شركة روشن، التي تعد إحدى المبادرات الميمونة، وانعكاسا للتحول في الاقتصاد الوطني وفق رؤية المملكة 2030، التي أعلنها ولي العهد، في مبادرة ليست فقط لمعالجة مشكلة الإسكان، بل تحول لأنسنة المدن وجعل الحياة في الحي حياة مكتملة لا يحتاج معها الساكن إلى تكلفة لتوفير أي احتياجات، باستثناء رحلة العمل، وهذه بلا شك خدمة لها انعكاساتها في تحسين ظروف العيش في المدن، ما يجعل المدن السعودية في مراكز متقدمة فيما يتعلق بالمناطق الأفضل للعيش، التي يمكن أن تكون خيارا مفضلا للكفاءات ورجال الأعمال والمواهب من مختلف دول العالم.
تحديات السكن كبيرة جدا، فعلى الرغم من أن كثيرين يركزون على مسألة الارتفاع الكبير في أسعار الأراضي في المدن الكبيرة، إلا أن ذلك لم يكن التحدي الوحيد، بل إن التحديات متنوعة تتعلق بتكلفة القوى العاملة الجيدة والارتفاع بتكلفة المواد. والملاحظ في قطاع المقاولات أن هناك تكاليف غير ملاحظة للفرد أو المستثمر من الفئة المتوسطة أو الصغيرة في هذا المجال، حيث إن القوى العاملة التي يعتمد عليها في تنفيذ هذه المساكن فيها تكلفة تتعلق بالمقاول لكل عمل، حيث إن من يتم الاتفاق غالبا معه ليس هو من يعمل، وقدرة هؤلاء على التفاوض وتحديد الأسعار من خلال التنسيق فيما بينهم تجعل من تكلفة أعمالهم مضاعفة بسبب عدم القدرة على التفاوض مع العامل مباشرة، كما أن تكلفة المواد حيثما تكون من خلال التجزئة وليس من خلال المشاريع الكبيرة، تزيد تكلفتها بشكل كبير، كما أن الهدر عال جدا في الأعمال الفردية بشكل أكبر مما هو عليه في المشاريع الكبيرة، لعدم الاعتماد على معايير محددة تتعلق بما يحتاج إليه الفرد فعليا في مسكنه، إضافة إلى أن التعامل مع عمالة غير متأكد من كفاءتها قد يكلف كثيرا، كما أن قدرة الفرد في الحصول على تعويض مناسب عند الإخلال بالعقد تكاد تكون صعبة جدا، وبالتالي فإن المشاريع العملاقة لتطوير الأحياء قد تخفف كثيرا من التكلفة، سواء في قيمة الأرض أو في تصميم المنطقة بما يعزز من الاستفادة الأمثل من الأراضي، أو فيما يتعلق بتصاميم البناء والحي، أو فيما يتعلق بتكلفة البناء، والنتيجة في الأغلب تكون في الحصول على مسكن بتكلفة مناسبة وظروف عيش أفضل.
مشروع روشن تم إعلان أولى أحيائه، وهو "سدرة" بمجموع 4500 مسكن في المرحلة الأولى، وصولا إلى أكثر من 30 ألف مسكن، ولا شك أن هذه الأرقام ستلبي جزءا من حجم الطلبات على المساكن في مدينة الرياض، وفي انتظار مشاريع أخرى في مدينة الرياض ومدن أخرى حول المملكة. ولعل العنصر الأهم في هذا المشروع أنه سيقود إلى تحول في طريقة تصميم الأحياء السكنية، كما يمكن أن يعالج جزئيا حالة الفوضى والعشوائية في قطاع البناء والمقاولات عموما بالاعتماد على مشاريع أكثر موثوقية.
الخلاصة، إن البدء بمشاريع روشن السكنية ومع إطلاق المشاريع في حي سدرة بعدد مساكن يبلغ أكثر من 30 ألف مسكن، سيكون له دور كبير في معالجة التشوهات في الأحياء السكنية في مدن المملكة، إضافة إلى تعزيز الكفاءة في إدارة المشاريع الخاصة بالإسكان، كما أن له آثارا جيدة غير مباشرة فيما يتعلق بإعادة تدوير مخلفات البناء، وزيادة الفرص الوظيفية الجيدة للمواطنين، والحد من العشوائية الموجودة حاليا في قطاع المقاولات بما في ذلك القوى العاملة غير النظامية التي تفتقر إلى الكفاءة في إنشاء المشاريع.
إنشرها