خطورة استخدام العملات المشفرة عملة وطنية «2 من 2»

السياسة النقدية ستفقد فعاليتها في حال اعتماد أصول مشفرة، مثل عملة بيتكوين، على نطاق واسع سيتحملها استقرار الاقتصاد. فالبنوك المركزية لا يسعها تحديد أسعار الفائدة على العملة الأجنبية. وفي العادة، عندما يعتمد بلد ما عملة أجنبية كعملته الوطنية، فإنه يستورد مصداقية السياسة النقدية الأجنبية، على أمل مواكبة اقتصاده وأسعار الفائدة للدورة الاقتصادية الأجنبية. غير أنه يستحيل تحقيق كلا الأمرين في حال اعتماد الأصول المشفرة على نطاق واسع.
وقد يترتب على ذلك أن تفقد الأسعار المحلية استقرارها إلى حد كبير. حتى إذا تم إعلان كل الأسعار بعملة بيتكوين مثلا، فإن أسعار السلع والخدمات المستوردة ستتذبذب بدرجة شديدة، حسب أهواء تقييمات السوق.
وقد تتعرض النزاهة المالية كذلك للمخاطر. ففي غياب تدابير قوية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، قد تستخدم الأصول المشفرة في غسل أموال من مصادر غير مشروعة، وتمويل الإرهاب، والتهرب الضريبي. وقد يوجد ذلك مخاطر على النظام المالي للبلد المعني، وتوازن ميزانيته، وعلاقاته بالدول الأجنبية والبنوك المراسلة.
ورغم أن فرقة العمل للإجراءات المالية المعنية بغسل الأموال وضعت معيارا لكيفية تنظيم عمل الأصول الافتراضية وجهات تقديم الخدمات ذات الصلة للحد من المخاطر المحيطة بالنزاهة المالية، فإن مستوى إنفاذ هذا المعيار ليس متسقا بين مختلف الدول حتى الآن، ما قد يجد بعض المشكلات، نظرا لاحتمالات ممارسة أنشطة عبر الحدود.
وستنشأ كذلك مشكلات قانونية أخرى. فمنح أصل ما وضع النقود التي لها قوة إبراء قانونية يقتضي أن تكون وسيلة الدفع متاحة على نطاق واسع. غير أن إمكانية الحصول على خدمة الإنترنت والتكنولوجيا اللازمة لتحويل الأصول المشفرة لا تزال محدودة في كثير من الدول، ما يوجد مشكلات تتعلق بالعدالة والشمول المالي. وعلاوة على ذلك، لا بد أن تتمتع وحدة النقد الرسمية بقدر كاف من الاستقرار لضمان سهولة استخدامها في الالتزامات النقدية متوسطة وطويلة الأجل. كما أن إدخال تعديلات على وضع العملة القانونية ووحدة النقد في بلد ما يقتضي في المعتاد تعديلات معقدة وواسعة النطاق في القانون النقدي لتجنب إيجاد نظام قانوني منفصل.
إضافة لما سبق، من الممكن أن تصبح البنوك والمؤسسات المالية الأخرى منكشفة على مخاطر التذبذبات الحادة في أسعار الأصول المشفرة. فليس واضحا إن كان التنظيم الاحترازي إزاء الانكشاف لمخاطر العملة الأجنبية أو الأصول المحفوفة بالمخاطر في البنوك يمكن أن يظل ساريا في حال منح عملة بيتكوين، على سبيل المثال، وضع العملة القانونية.
وعلاوة على ذلك، فإن استخدام الأصول المشفرة على نطاق واسع من شأنه إضعاف حماية المستهلك. فقد تخسر الأسر ومؤسسات الأعمال أموالا طائلة من خلال التقلبات الكبيرة في القيمة، أو أعمال الاحتيال، أو الهجمات السيبرانية. ورغم أن التكنولوجيا التي ترتكز عليها الأصول المشفرة أثبتت صلابتها الشديدة، فإن احتمالات حدوث الخلل واردة. وفي حال بيتكوين، من الصعب الطعن في أي عملية لعدم وجود جهة إصدار قانونية.
وأخيرا، فإن الأصول المشفرة المستخرجة كبيتكوين تستلزم قدرا هائلا من الكهرباء لتشغيل شبكات الكمبيوتر التي تتحقق من صحة المعاملات. وقد تكون الانعكاسات البيئية لاعتماد هذه الأصول المشفرة كعملة وطنية شديدة الوطأة.
وبشأن تحقيق التوازن، فإن اعتماد الأصول المشفرة، بما في ذلك عملة بيتكوين كعملة وطنية، يقترن بمخاطر جسيمة على الاستقرار المالي الكلي، والنزاهة المالية، وحماية المستهلك، والبيئة. وفي الوقت نفسه لا ينبغي إغفال مزايا التكنولوجيا التي تقوم عليها، بما في ذلك إمكانية توفير خدمات مالية أرخص وأكثر احتواء للجميع. غير أنه ينبغي للحكومات تكثيف جهودها لتوفير تلك الخدمات، والاستفادة من أشكال النقود الرقمية الجديدة مع الحفاظ على الاستقرار والكفاءة والمساواة والاستدامة البيئية. فمحاولة جعل الأصول المشفرة عملة وطنية هي طريق مختصر من غير الحكمة أن نسلكه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي