Author

مهارات الإنسان وذكاء الآلة

|


يتجه العالم اليوم بشكل سريع ومتلاحق نحو الاستفادة من اختراع الذكاء الاصطناعي لخدمة البشرية والإنسانية، بعد أن أصبح حقيقة، فهو المحرك الأول للثورة الصناعية الرابعة، مثلما كان المحرك البخاري مفتاح الثورة الصناعية الأولى، وأيضا الأداة ذات الاحتراق الداخلي مفتاح الثورة الصناعية الثانية، لذلك تبرز مكانة وأهمية الذكاء الاصطناعي وأولويته في عالم اليوم المتسارع في كل شيء، خاصة في المجالات التقنية والاقتصادية والتطويرية. وكما كان الحال في تلك الأيام التي ظهرت فيها الوسائل التقنية، فإن التعامل مع الآلة يتطلب مهارات جديدة، وأجيالا تجيد التعامل مع الآلة وفنونها، وتقنياتها، وتفهم لغتها جيدا.

ومن هذا المنطلق، ومع تسارع أعوام الثورة الصناعية، فإن الطلب على الكفاءات ذات القدرات العالية على التعامل مع الآلة، يتزايد باستمرار، ويمثل في الوقت نفسه تحديا كبيرا لتأهيل هذه الكوادر المطلوبة فعليا، وكان هذا واضحا جدا حتى في الثورة الصناعية الثالثة التي سميت ثورة نظم المعلومات والحاسب الآلي وتطور تقنياته. فمع تقدم وتسارع وتيرة الاعتماد على جهاز الحاسوب، ارتفعت الحاجة إلى الكوادر والكفاءات التي تجيد التعامل معه، وتم تطوير برامج علمية خاصة بذلك في المؤسسات الأكاديمية والبحثية، وفي غيرها من مؤسسات التدريب المتخصصة.

فإذا كان هذا شكل وخريطة القاعدة الأساسية، إذن فالتطوير في المهارات واكتشاف نوعية المهارات المطلوبة، يأتي تباعا مع التطور التقني، وهذا الوضع يحدث أيضا في حالة الذكاء الاصطناعي. ويشير تقرير نشرته "الاقتصادية"، لاستكشاف التغيرات في الطلب على المهارات التي يتطلبها عصر الثورة الصناعية الرابعة والذكاء الاصطناعي، إلى أن نحو 50 في المائة من الشركات الموجودة والعاملة في العالم تواجه صعوبات في تنفيذ مشاريع الذكاء الاصطناعي، لكن هذه الصعوبات ليست في الموارد الاقتصادية التي يتم توظيفها من أجل تعزيز استخدام الذكاء الاصطناعي، بل في الافتقار إلى الموظفين في هذا الشأن، ممن لديهم الوعي بمزايا وحدود هذا التقدم الاصطناعي.

هناك عديد من الشركات التي شكلت فرقا مختصة لتحليل البيانات، لتغطي مجموعة واسعة من المهارات المطلوبة. وفي هذا إشارة واضحة إلى حجم التخصصات والمهارات المطلوب توافرها من أجل تطوير الذكاء الاصطناعي. فالتخصصات تتمثل في خبراء تخيل البيانات وتصور آفاقها، ومهندسي البيانات، والتعلم الآلي، ومصممين لنتائج النشاط الاقتصادي، ومختصين من مختلف مجالات النشاط المعنية، ومترجمي التحليلات.

كما أن هناك حاجة متصاعدة إلى من يطلق عليهم اسم "مترجمو التحليلات"، وهم العمود الفقري للذكاء الاصطناعي، وهم وحدهم القادرون على تحويل كميات هائلة من البيانات إلى نماذج للعمل تفهمها الآلة، وتتعامل معها. وإذا أخذنا مثالا على ذلك، فإن السعودية، ومن خلال رؤية 2030، ترغب وتخطط لأن تضع نفسها في مكانة مرموقة تليق بها في عالم الثورة الصناعية الرابعة، ولكون الذكاء الاصطناعي محركها الأساس، فقد صدرت قبل نحو عام الموافقة على الاستراتيجية الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي.

وبنيت هذه الاستراتيجية على ستة مقومات رئيسة، حيث تأتي الكفاءات في المرتبة الثانية، لترسخ مبدأ أن تصبح السعودية موردا مستداما للكفاءات المحلية، والقوى العاملة في مجال البيانات والذكاء الاصطناعي، إلى جانب تركيزها على البحث والابتكار وأن تكون منصة عالمية لتلك الأعمال. كما أولت الاستراتيجية اهتماما بالبنية التحتية المحفزة، التي تعد ضرورة لتمكين تبني وإطلاق قدرات البيانات والذكاء الاصطناعي.

وبالتالي، فإن الاستراتيجية الوطنية تضع المهارات والكفاءات المطلوبة، والقدرات المرتبطة بها لهذا العصر المهم، ضمن أولويات اهتمامها، لكن ذلك قد لا يكون كافيا إذا لم تستوعبها جميع قطاعات التعليم، حتى قطاعات التدريب والمهن ذات الصلة بتطوير الذكاء الاصطناعي، وهذه هي الحالة الراهنة في التحولات والطلب على المهارات التي تمتلك لغة المهنة، ولغة الآلة في الوقت نفسه.

إنشرها