من ركود إلى نمو حذر

منطقة اليورو، التي تتألف من 19 دولة أوروبية، وهي اتحاد نقدي معروف بقوته عالميا وأسس قبل نحو 22 عاما، ولكن هذه المنطقة شهدت أزمة اقتصادية حادة بسبب تداعيات فيروس كورونا، واتضح كيف عانت دول مثل إيطاليا وإسبانيا حتى فرنسا، ويلات الجائحة المخيفة، وتراجعت معدلات ومؤشرات نموها الاقتصادي لتعطل الحياة التجارية، وتوقفت معظم القطاعات عن نشاطاتها بداعي الإغلاقات التي استمرت طويلا.

وبعد أشهر طويلة من هذه الأزمة الصحية والاقتصادية في الوقت نفسه، يبدو واضحا أن اقتصاد منطقة اليورو بدأ في تسجيل علامات للنمو لم تكن متوقعة حتى عند المتفائلين بخروج سريع لهذه المنطقة من مرحلة الانكماش، والوصول إلى التعافي المأمول. وكما أشرنا، فإن هذه المنطقة كانت تعاني أزمات جمة، بفعل الآثار التي تركها وباء كورونا على الساحتين الاجتماعية والاقتصادية، حيث بلغ حجم الدين العام لمنطقة اليورو بعد عام من تفشي الوباء 11.1 تريليون يورو، مرتفعا 1.24 تريليون يورو خلال عام واحد، ليصل إلى 98 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة.

لكن رغما عن هذا الوضع المزعج، تبقى الأمور تحت السيطرة، خصوصا في ظل مجموعة من حزم الدعم التي سندت ودعمت الاقتصاد الأوروبي عموما، واقتصاد منطقة اليورو خصوصا، مع تأكيدات مشددة ومستمرة من كريستين لاجارد رئيسة البنك المركزي الأوروبي، ضرورة استمرار هذه الحزم إلى أن يعبر الاقتصاد المرحلة الحرجة.
ومع إعادة فتح القطاعات المحركة للاقتصاد في منطقة اليورو، وتوسيع رقعة التطعيم ضد فيروس كوفيد - 19، حقق اقتصاد اليورو نموا فصليا بلغ 2 في المائة على أساس شهري، و13.7 في المائة على أساس سنوي، وذلك على عكس توقعات الخبراء التي دارت حول 1.5 في المائة على أساس شهري، وهذه النسبة المرتفعة تعد بمنزلة دفعة جديدة لهذا الاقتصاد نحو الوصول إلى التعافي.

 فالأزمات التي مرت بها الدول الأوروبية بسبب الوباء، كانت كبيرة وغير متوقعة، بما في ذلك الدول التي تتمتع باقتصادات متينة، كما أن اقتصاد المنطقة التي تضم 19 دولة، عانى ركودين فنيين، وهو يعرف بأنه سجل انكماش على فترة ربعية منذ بداية العام الماضي، كما ضغطت الأوضاع بقوة على أداء الاقتصادات الوطنية، بما في ذلك الاقتصاد الألماني الأكبر في منطقة اليورو، وفي الاتحاد الأوروبي.   

واللافت من خلال الأرقام الأخيرة التي نشرها مكتب إحصاءات الاتحاد الأوروبي "يوروستات"، أن إيطاليا، وهي ثالث أكبر اقتصاد منطقة اليورو، وإسبانيا الرابعة من حيث الحجم، حققتا نموا فصليا بلغ 2.7 و2.8 في المائة، وهما نسبتان كبيرتان بالفعل لم تكن مستهدفة حتى في مؤشرات حكومتي البلدين، في حين أن اقتصاد البرتغال الصغير قياسا بهذين الاقتصادين حقق 4.9 في المائة، مع ضرورة الإشارة إلى أن هذا البلد بادر بفتح أبوابه أمام السياح، ولا سيما الأوروبيين، في وقت مبكر من العام الجاري، حتى إن بريطانيا التي تضع قيودا على السفر لفرنسا وإيطاليا، تخلت عن قيودها المفروضة على البرتغال. وتدفق السياح أسهم - إلى حد بعيد - في تعزيز وتيرة النمو.   

إن الانكماش الذي ضرب منطقة اليورو، وضع الناتج المحلي الإجمالي في دائرة الخطر، فحتى اقتصاد ألمانيا عانى تراجعا كبيرا جدا في الربع الأول من العام الحالي، لكنه سجل نموا في الفصل الذي تلاه بلغ 1.5 في المائة، بحيث يعد الأقل قياسا بعدد آخر من دول المنطقة المشار إليها. لكن الاقتصاد الفرنسي كان أقل منه بكثير، حيث سجل نموا بلغ 0.9 في المائة، ومن المتوقع أن يواصل النمو مساره في الفصلين المتبقيين من هذا العام، إذا ما استمرت وتيرة التطعيم على مستوياتها الحالية ضمن منطقة اليورو، ما يسمح بفتح كامل لهذه الاقتصادات، دون أن ننسى المخاطر التي قد تسيطر على الساحة مجددا بفعل متحورات كوفيد - 19، التي تعد أقوى من منذ بداية انتشار الفيروس.

ورغم كل الأزمات التي عصفت بالاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو والعالم أجمع جراء تداعيات الجائحة العالمية، إلا أن القطاع المصرفي الأوروبي أثبت قوته بالفعل، استنادا إلى تقارير البنك المركزي الأوروبي، حيث تعد هذه النقطة مهمة للغاية، ولا سيما في أوقات الأزمات الاقتصادية.           

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي