طعم الظهور

وهو طعم لذيذ عند البعض، وأكثر لذة وقرمشة عند بعض آخر، حتى إنه يدفعهم للتخلي عن الحياء والأخلاق. الظهور يعني الشهرة، ولها كما يعلم الجميع إيجابيات وسلبيات، لكن الأولى بطعمها تجعل الثانية تتوارى خجلا.
كان الظهور الحقيقي في الزمن السابق محصورا في التلفزيون، لذا كان المذيع التلفزيوني الأكثر شهرة في المجتمع، فهو يخرج على الناس كل يوم - إذا كان محظوظا - وليس لديهم سوى قناة أو قناتين، معهم وهم يأكلون ويشربون ويسولفون، ولا تقارن شهرته بوسائل الإعلام الأخرى، مثل مذيع الإذاعة أو الصحافي في الصحافة. وكان الناس يحتفون به وأموره - في الأغلب - تتسهل، خاصة في المطارات والوزارات عند ملاحقة المعاملات، فمن جاور المشهور يشتهر.
لكن الأوضاع تغيرت، بل انفجرت مع التطورات في عالم الإعلام ووسائله وظهور الإنترنت ثم توسعها وتحولها إلى ضرورة. ولعل المتابع يتذكر قبل أعوام موجة الأخبار والاحتفاء بالأكثر تأثيرا، فلان وفلانة الأكثر تأثيرا في الخليج أو الشرق الأوسط والمريخ، وغيره. صدقا أو تسويقا، لو بحثت عنهم الآن ربما لن تجد لهم تأثيرا يذكر.
بعد الانفجار الإعلامي، بل الزلزال، وصلنا إلى مرحلة توابعه من تحول الهاتف المتنقل إلى حزمة وسائل إعلام متنقلة، وتطبيقات مغرية بلمسة تنقلك حيث تشاء.. الشركات العالمية العملاقة، فهي تقول "طير يا طير والحبل بيدي"، بل الحبال ثم جاء المحفز. فهذه الشركات تبحث عن الإعلان لتقدم دخلا لمن يكون أكثر مشاهدة، فانهبل كثير من الناس. تأخذ من المعلن وتعطي نتفة لمن تم اختيار "مشاركته" للإعلان. وزاد الأمر استفحالا - بعد انحسار دور الصحافة التقليدية - داخليا، أن المعلنين توجهوا لمن لديهم أكثر متابعين مهما كان سبب المتابعة، جيد أم سيء أم غثاء.
لذا، لا يستغرب أن يظهر أناس من مختلف الأعمار بكل ما لا يتوقع لجذب أكبر عدد من النقرات والمشاهدات.
ونحن أمام طوفان تدير فيه شركات الإنترنت العملاقة، المجتمعات، وتدفع من خلال منصاتها بكل سيء وقبيح.. وجيد أحيانا، دون أن يحاسبها أحد. وعلى الرغم من أنها أول الرابحين، تضع اللوم على أصحاب الحسابات من المشاهير الجدد أو الطامحين للحاق بهم.
إن الأثر الديني والاجتماعي والأخلاقي والأمني، كبير وعميق، وضرره واضح، ومثلما تحمى الحدود، يجب أن تتم حماية الحدود الافتراضية، فلا تكون نهبا لشركات عابرة للفضاء ومستلبين إرادة يبحثون عن شهرة جوفاء دون نظر إلى العواقب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي