Author

ظاهرة مؤقتة أم تضخم طويل؟

|

لا شك في أن الاستجابة السريعة لإنقاذ الاقتصاد العالمي من الانهيار بسبب جائحة كورونا، كانت إيجابية، خصوصا حزم الدعم المالي والنقدي التي خففت آثار الأزمة، ولكن يبقى أن الجائحة فرضت واقعا جديدا قد يؤدي إلى نظام اقتصادي دولي جديد. وتشير تقارير عالمية واستطلاعات الرأي إلى أن الحماس الذي عم الاقتصاد العالمي مع انتشار اللقاحات قد بدأ يتلاشى تقريبا، وهناك قلق كبير بدأ يتدفق بشأن عدم قدرة عدد من حكومات الدول على تحقيق تقدم واسع في توزيع اللقاحات، وتغطية مساحات كبيرة من الناس لأخذ اللقاحات، وفتح الأسواق وعودة الحياة إلى طبيعتها والتقليل من حالات الإغلاقات، وخاصة في قطاع السياحة والنشطات التجارية المتنوعة والإيواء.

فقد أظهر استطلاع للرأي نشر أخيرا أن ثقة الشركات الألمانية تراجعت بسبب استمرار المخاوف حيال سلاسل الإمداد ووسط ارتفاع للإصابات بفيروس كورونا، وشكا نحو 64 في المائة من الشركات الصناعية من الاختناقات في سلاسل التوريد، بينما أفاد 60 في المائة من تجار الجملة، و42.5 في المائة من تجار التجزئة أيضا، بوجود نقص في الإمدادات، وعم القلق قطاعي الضيافة والسياحة، من إجراءات العزل، إذ يخشى كثيرون موجة رابعة لفيروس كورونا.

ولم تزل مشكلة سلاسل الإمداد العقبة الرئيسة أمام تحقيق استقرار اقتصادي عالمي شامل، فقد أكد كبير الاقتصاديين في بنك هاوس لامبه، أن التعافي الاقتصادي في النصف الثاني من عام 2021 لم يعد مضمونا رغم أن التوقعات تشير إلى نمو 3.6 في المائة في الربع الثالث من هذا العام.

لكن استمرار المشكلات في سلاسل التوريد يتسبب في تناقص المواد والمدخلات ما يعوق الإنتاج في الشركات، وهذا له انعكاساته كلما تتبعنا سلسلة القيمة، حيث ترتفع الأسعار على طول السلسلة كلما زادت صعوبات الإنتاج، أو التغليف، أو النقل، والدعم اللوجستي، والخدمات الأخرى المهمة المساندة، إذا أضفنا إلى هذا عودة أسعار الطاقة للارتفاع، مع وفرة كبيرة في المعروض النقدي وخاصة في الاقتصادات التي حققت تعافيا معقولا حتى الآن ونتيجة الدعم الحكومي الواسع، كما أن شبح التضخم يطل برأسه ليصبح حقيقة صادمة، ولذلك فإن ارتفاع الأسعار لا مفر منه تقريبا.

ويوضح هذه الصورة بشكل دقيق رئيس غرفة الصناعة والتجارة الألمانية، حيث يؤكد تأثير أسعار الطاقة والمواد الخام ويصنفها ضمن أعلى المخاطر في القطاع الصناعي، إلى جانب برامج تعزيز الاقتصاد في الولايات المتحدة والصين التي حفزت ارتفاع الطلبات.

وحقيقة، فإن هذه العوامل أدت إلى ارتفاع كبير في الأسعار بنسب بدأت تفوق 30 في المائة، وترتفع أسعار الصلب 100 في المائة، والسؤال الحقيقي الذي يطرحه معظم الاقتصاديين واستطلاعات الرأي يكمن فيما إذا كانت ارتفاعات الأسعار ظاهرة مؤقتة، أم تضخما طويل الأمد؟ الإجابة هنا أنه لا شيء مقلقا في النظرية الاقتصادية الحالية من التضخم، حيث لا يوجد علاج ناجع له فيها، ترك الأسعار تأخذ مسارها التصاعدي دون تدخل واق قد يجعلها في نطاقات سعرية جديدة تصعب زحزحتها فيما بعد، وهو تضخم طويل الأمد يعزز مشكلات اقتصادية قائمة بالفعل خاصة في سلاسل الإمداد، ويعزز من مخاوف البطالة، نظرا إلى خروج المؤسسات الصغيرة من الأسواق لارتفاع تكاليف الإنتاج.

لكن هناك تباطؤا مقصودا في معالجة هذه الظاهرة، ذلك أن معظم الاقتصاديين يرون أنها حالة مؤقتة نظرا إلى التعافي الاقتصادي وزيادة المعروض النقدي بسبب الدعم الحكومي، وهذا ما يلبث أن يتلاشى مع عودة القطاعات الاقتصادية للعمل، فالرغبة في الاستهلاك لم تزل في مستويات مقنعة والطلب فعال، لكن تحده الإجراءات الاحترازية، أو على الأقل هذا ما تأمل فيه المؤسسات الاقتصادية الحكومية في أغلب دول العالم.

لا أحد يرغب في سحب الدعم حاليا، ذلك أن هناك قلقا من فشل المؤسسات في الاستمرار فيما لو لم تجد قروضا ميسرة لدعم رأس المال العامل لديها، لكن ليس هذا هو السبب الوحيد في التباطؤ، بل لأن المعالجة الكاملة للتضخم غير واضحة، وهل ستستخدم البنوك المركزية أسلوب تعديل أسعار الفائدة لتشجيع الاستثمار بدلا من الاستهلاك؟ وهل هذا هو ما تريده الأسواق والشركات؟ إن تراجع الطلب في هذا الوقت بالذات قد يصنع مشكلات هيكلية، وإذا ارتفعت الفائدة فإن عدم قدرة المؤسسات الصغيرة على تحمل تكلفة خدمة الدين قد يرفع الأسعار أيضا، أو يخرجها من الأسواق، وهذا الأمر يعني العودة إلى المربع الأول.

وخلاصة القول، فإن التباطؤ ليس مقصودا في كل الأحوال، والأمل في عودة سلاسل الإمداد والانفراج الاقتصادي، وتمكن قطاع السياحة خصوصا من امتصاص فوائض السيولة بسرعة مناسبة.

إنشرها