العالم الغني مدين للدول الجزرية «2 من 2»

أشار تقرير صدر في الآونة الأخيرة عن صندوق النقد الدولي، إلى قياس التكاليف الإضافية التي تواجه الدول النامية الصغيرة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، أن جميع الدول الـ 25 التي شملتها الدراسة جزء من مجموعة الدول الجزرية الصغيرة النامية باستثناء دولتين. ويخلص صندوق النقد الدولي، مع تركيزه بصورة خاصة على التكاليف الإضافية لبناء بنية تحتية مستدامة في هذه الدول، وأن الدولة الجزرية الصغيرة الـ 25 لا يمكنها تمويل أهداف التنمية المستدامة بمفردها. إن تعهد المجتمع الدولي بعدم ترك أي شخص يتخلف عن الركب في تحقيق التنمية المستدامة، لا يمكن الوفاء به إلا من خلال توفير تمويل إنمائي إضافي للدول الجزرية الصغيرة النامية.
ومع ذلك، رغم الاحتياجات العاجلة والمتزايدة بسرعة لعديد من الدول الجزرية الصغيرة النامية، فإن هذه الأخيرة غير مؤهلة للاقتراض بشروط ميسرة من بنوك التنمية الرسمية، وصناديق المناخ الخاصة المنشأة حديثا. إذ يقال لها إنها غنية للغاية، حتى وهي تعاني كوارث بيئية مدمرة واحدة تلو الأخرى، حتى مع استمرار الوباء في شل اقتصاداتها وتعريض سكانها للخطر.
وهناك ثلاث طرق رئيسة يمكن للدول الغنية، بل ينبغي من خلالها أن تسهم في تعويض الضرر الذي أحدثته. أولا، عليها أن تضخ مزيدا من رأس المال في بنوك التنمية متعددة الأطراف بما في ذلك بنك الدول الأمريكية، وبنك التنمية الكاريبي، وبنك التنمية الآسيوي، وبنك التنمية الإفريقي. ومن خلال الاقتراض بأسعار فائدة منخفضة في الأسواق العالمية، يمكن لبنوك التنمية متعددة الأطراف تحويل كل دولار إضافي من رأس المال المدفوع إلى خمسة دولارات إضافية أو أكثر تخصص لقروض جديدة تقدم للدول التي هي في أمس الحاجة إليها.
ثانيا، يجب على الدول الغنية فرض ضرائب على شركات الوقود الأحفوري للمساعدة على تغطية التكاليف العالمية المتزايدة الناجمة عن إنتاج الوقود الأحفوري. إن صناعة النفط والغاز تحتفظ بقيمة سوقية كبيرة، رغم ضرورة تخلصها التدريجي من جزء كبير من منتجاتها الهيدروكربونية بحلول منتصف القرن. وبدلا من دفع أرباح ضخمة لمساهميها، عليها فرض ضرائب على شركات النفط والغاز لزيادة الإيرادات حتى يتم تحويلها إلى الدول الجزرية الصغيرة النامية والدول الضعيفة الأخرى لتغطي تكاليف الأضرار المناخية والمرونة.
ثالثا، يتعين على الدول الغنية فرض ضرائب على طبقة أصحاب البلايين، خاصة الآن بعد أن ارتفعت ثروتهم إلى نسب لا يمكن تصورها. فأثرياء العالم البالغ عددهم 2755 يحصلون الآن على 13.1 تريليون دولار، بزيادة قدرها خمسة تريليونات دولار تقريبا منذ بداية الوباء. وأظهرت الإقرارات الضريبية التي تم تسريبها أخيرا، أن الأثرياء في الولايات المتحدة غالبا ما يدفعون ضرائب منخفضة بصورة غير متناسبة مع غيرهم أو لا يدفعونها. وينبغي أن يبدأوا في دفع نصيبهم العادل، بدلا من مجرد أخذ رحلات سياحية إلى الفضاء. ويجب توجيه الإيرادات المضافة نحو احتياجات التنمية المستدامة الملحة، بما في ذلك احتياجات الدول الجزرية الصغيرة النامية.
إن العالم يقترب من نقطة الانهيار. فالأغنياء يأخذون اللقاح ويقصى الفقراء من ذلك، ينتجون انبعاثات غازات الاحتباس الحراري ويدفع الفقراء ثمن ذلك. ويتمتع الأغنياء بمكاسب رأسمالية عالية بينما يفقد الفقراء وظائفهم وسبل عيشهم. لكن مصائرنا متشابكة في النهاية. فالأوبئة والأزمات البيئية العالمية لا تعترف بالحدود الوطنية. لذا تتطلب المصالح المستقبلية للعالم الغني العدالة، وحسن السلوك، واستراتيجية مالية عالمية تعترف بالاحتياجات الملحة للدول والشعوب الضعيفة، وتعالجها.
خاص بـ "الاقتصادية"
بروجيكت سنديكيت، 2021.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي