Author

لماذا لم تختف العنصرية مع التقدم البشري؟

|
الكراهية والعنصرية من أقبح صور التعامل البشري، وأقصد بالعنصرية الاعتقاد بوجود فروق بين الناس تنعكس في عدم المساواة في معاملة الأشخاص أو الجماعات على أساس العرق أو الإثنية، أي بناء على الخصائص البيولوجية أو الثقافية أو المعتقدات وأسلوب الحياة. وعادة ما تقوم العنصرية على أسس قومية أو لغوية أو ثقافية أو معتقدات دينية أو طبقة اجتماعية. وتبرز العنصرية من خلال الشعور بالتفوق العرقي أو الطبقي الاجتماعي أو القبلي أو نتيجة اختلاف اللغة والثقافة والعادات والتقاليد، وأحيانا بسبب المعاناة من بعض الأمراض النفسية.
رغم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي ينص على أن البشر يولدون جميعا أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق، وأن لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق، دون أي تمييز ولا سيما بسبب العرق أو اللون أو الأصل القومي، وأن جميع البشر متساوون أمام القانون ولهم حق متساو في حمايته لهم من أي تمييز وأي تحريض على التمييز، إلا أنه لا تزال هناك عنصرية. وبناء على الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، فإن التمييز العنصري هو "أي تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفضيل يقوم على أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الإثني، ويستهدف أو يستتبع تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها، على قدم المساواة، في الميدان السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو في أي ميدان آخر من ميادين الحياة العامة". ورغم التقدم الحضاري والثقافي والعلمي الذي يتمتع به معظم دول العالم، خاصة الدول المتقدمة، فإن العنصرية لا تزال تطل بوجهها القبيح بين الحين والآخر من خلال العنف تارة أو الحرمان من الوظيفة أو السكن تارة أخرى، أو إطلاق عبارات تعكس ما في النفوس من عنصرية وكراهية لفئة أو أخرى.
في بعض الأحيان يكون ضحايا العنصرية أفرادا، وفي أحيان أخرى تكون الضحايا شعوبا أو طوائف أو أقليات بأكملها. ومن المؤسف أن العنصرية تكون كامنة في نفوس البعض ثم تتفجر بشكل عفوي، كما حدث من جمهور إحدى المباريات الرياضية حين هتف ضد اللاعب العربي المميز محمد صلاح بعبارات غير لائقة، ويحدث ذلك أيضا أثناء تعامل الشرطة في بعض الدول مع المقبوض عليهم من فئات معينة، وكذلك ممارسات بعض أفراد الجيوش كما فعل أفراد الجيش الأمريكي في العراق وأفغانستان ضد بعض السجناء مثل ما حدث في سجن أبو غريب وغيره.
وفي أحيان أخرى، يحدث ضد شعوب بأكملها، مثل الهنود الحمر في أمريكا الشمالية وغيرهم كثير. ولعل من أسوأ الأمثلة التي نشهدها في وقتنا الحاضر، ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من تمييز في كل المجالات، فضلا عن التهجير العنصري من خلال المضايقة والضرائب وهدم المساكن ونحوها. وكذلك ما تتعرض له أفراد أقلية الروهينجيا المسلمة في ميانمار، المعروفة باسم بورما، من الاضطهاد والتطهير العرقي بصفة منتظمة أمام أعين العالم. ومن المؤسف أن الاقتتال الوحشي بين بعض مكونات الشعب العراقي يندرج ضمن التمييز الطائفي المقيت. وكذلك تفضيل دخول ذوي الأصول الأوروبية لكثير من الدول المتقدمة دون القيود التي تفرض على القادمين من دول أخرى.
وأخيرا، رغم التقدم الحضاري والعلمي لبني البشر، إلا أنهم يمارسون أقبح الأعمال الوحشية ضد فئات أو مجموعات بشرية في الوقت الحاضر، ولم تستطع الحضارة الغربية، مع تقدمها الهائل وتطور أنظمتها المدنية، التخلص من العنصرية التي تبرز بين حين وآخر. ولا يقتصر الأمر على الغرب، بل يشهد الشرق أبشع أمثلة العنصرية في الصين وبورما وغيرهما مع ما تنعم به الصين من تطور علمي وتقدم تقني. ويبقى الأصعب على النفس، أن نرى بعض أبناء العرب، الذين كانوا بالأمس يعيشون في سلام ووئام، يمارسون اليوم أقسى أنواع الكراهية والعنف ضد إخوتهم العرب والمسلمين في بقاع كثيرة، بل إن العنصرية بناء على الدين والعرق هي المسؤولة عن تجزئة المجزأ وتفكيك بعض الأوطان العربية، وهنا يبرز في الذهن التساؤل: من المسؤول عن بقاء العنصرية وعدم اختفائها؟ هل هو التعليم؟ أم الخطاب الديني؟ أم التنشئة الأسرية؟ أم غياب الأنظمة العادلة؟ أعتقد أنها جميعا لا تعفى من المسؤولية.
إنشرها