الأجهزة الملبوسة مصدر للمعلومات

تعد الأجهزة أو التقنيات القابلة للارتداء wearable devices من التقنيات التي انتشرت أخيرا بفضل التطور التقني المتسارع في المعالجات والبرمجيات، وكذلك احتدام التنافس بين كبار مصنعي تلك الأجهزة. تأتي تلك الأجهزة الملبوسة في أشكال عدة، كسوار حول المعصم أو ساعة ذكية، أو في هيئة جهاز يثبت على الرأس، كالسماعة المتصلة لاسلكيا، أو النظارة، كنظارة جوجل. بل تجاوزت الأجهزة الملبوسة إلى ما هو أبعد من ذلك، لتصبح على شكل لصقة أو رقاقة مثبتة في الملابس، وتستخدم غالبا إما للتطبيقات الصحية والرياضية، وإما لغرض الاتصال والترفيه. كما تعد المعالجات الدقيقة القلب النابض لتلك الأجهزة، ومكن صغر حجمها وسرعة أدائها من إحداث نقلة نوعية على مستوى الاستخدامات والتطبيقات للأجهزة القابلة للارتداء.
​ومع انخفاض تكاليف إنتاج الأجهزة الملبوسة وتعدد استخداماتها الشخصية، خصوصا أجهزة مراقبة اللياقة البدنية أو متابعة المؤشرات الصحية، كنبض القلب وعدد ساعات النوم، تحولت إلى ما يشبه أسلوب حياة وسلعة استهلاكية تدر مئات الملايين من الدولارات على الشركات المصنعة. وأذكر على المستوى الشخصي، استخدامي سوار تتبع اللياقة البدنية fitness tracker وقياس السعرات الحرارية المبذولة، الذي تطور بشكل مذهل خلال سبعة أعوام ليتحول من كونه جهاز تتبع رياضي وصحي إلى وسيلة اتصال اجتماعي بفضل التطبيق المصاحب لهذا الجهاز المثبت على أجهزتنا الذكية. حيث يتمكن المستخدم من إضافة مستخدمين آخرين يشاطرونه الاهتمامات الرياضية نفسها، ومتابعة أدائهم الرياضي كوسيلة للتحفيز على ممارسة الرياضة أو المشي خصوصا.
وبانتشار هذا النمط من الأجهزة والتطبيقات، تولد عن استخدامها كم هائل من البيانات، تعد بحد ذاتها ثروة إن أحسن استغلالها وتوظيفها التوظيف الأمثل. وأذكر في هذا الصدد، تطبيق سترافا Strava كاليفورني المنشأ، الذي أسس عام 2009 كتطبيق يربط الرياضيين عموما وممارسي رياضة المشي وركوب الدراجات بشكل أخص. يعمل سترافا على تتبع الرياضيين عن طريق خدمة الـGPS المدمجة في ساعاتهم الذكية وتفعيل التزامن مع التطبيق المثبت على أجهزتهم المحمولة. ومن خلال مشاركة بيانات هؤلاء الرياضيين والطرق التي يسلكونها، استطاعت إدارة التطبيق إنتاج خرائط بصرية توضح أكثر الممرات المطروقة واتجاهات السير عالية الكثافة ليسترشد بها مستخدمو شبكة سترافا. ومعظم تلك الخدمات تقدم بالمجان لمستخدمي التطبيق، ما يشير إلى أن استثمار الشركة في البيانات يأتي في المقام الأول.
وقد نجحت الشركة في إيجاد مصدر إضافي لها، من خلال استهداف مخططي ومصممي المدن في المناطق المدعومة، بتزويدهم ببيانات خرائط حرارية توضح المسارات التي يرتادها راكبو الدراجات، لاختيار أفضل الطرق وتصميمها وفقا لاحتياجات السكان. إلا أن جمع البيانات ومشاركتها يستدعي الحذر، خصوصا فيما يتعلق بمشاركة المعلومات الحساسة والأمنية، وقد حصل بالفعل خلال هذا التطبيق عندما نشر خرائط حرارية قبل ثلاثة أعوام توضح مسارات في قواعد عسكرية وأماكن نووية حساسة في أماكن متفرقة من العالم.
وفي ظل جهود حكومة خادم الحرمين الشريفين، في تذليل الصعاب لخدمة حجاج بيت الله الحرام، وتسخير أحدث التقنيات والإمكانات لتسهيل تأدية شعائر الحج، أطلقت الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي "سدايا"، هذا العام، سوار الحاج الذكي "نسك". يزود "نسك" بمعلومات دقيقة وكاملة عن الحاج، ومشاركة بيانات حالته الصحية وموقعه الجغرافي لتوفير تجربة متكاملة وخدمات عالية الجودة للحجاج. أخيرا، إن توظيف البيانات المتوافرة من سوار "نسك"، كالمسارات التي يسلكها الحجاج أو أوقات الذروة والاستفادة منها، سيسهم في تحسين تجربة الحج في الأعوام المقبلة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي