تحدي التضخم يعكر انتعاش الاقتصادات العالمية

التضخم اليوم أصبح أحد التحديات التي تواجه الاقتصاد في العالم، حيث ارتفعت نسبته إلى معدلات أكبر من توقعات مجموعة من دول العالم، وعلى رأسها الولايات المتحدة، التي وصلت نسبته فيها إلى 5.6 في المائة، وهو يعد الأعلى منذ عقود، كما أن دولا أخرى بدأت فعليا تنظر إليه على أن يؤثر في الإجراءات التي تم اتخاذها لانتعاش الاقتصاد. وفي ظل وجود قناعة لدى الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة أن التضخم مؤقت وستتحسن الأمور لاحقا في هذا العام أو العام الذي يليه، فإنه قد لا يكون متوقعا اتخاذ إجراءات للحد منه على المدى القصير، وبالتالي يعد مؤقتا ولا يستدعي اتخاذ إجراءات حياله.
أما فيما يتعلق بالتضخم في المملكة، وكما جاء في تقرير وحدة الرصد في صحيفة "الاقتصادية"، "ارتفع معدل التضخم في السعودية خلال حزيران (يونيو) الماضي 6.2 في المائة، مقارنة بالشهر نفسه من 2020. وهذه أعلى وتيرة ارتفاع للتضخم منذ آب (أغسطس) 2020، أي خلال عشرة أشهر، وارتفع التضخم الشهر الماضي بشكل رئيس من أسعار الأغذية والمشروبات، ثاني الأقسام وزنا في المؤشر، 8.1 في المائة، والنقل ثالث الأقسام وزنا، 22.6 في المائة. على الجانب الآخر، انخفض قسم التعليم 9.1 في المائة، وقسم السكن والمياه والكهرباء والغاز وأنواع وقود أخرى 2.3 في المائة، متأثرا بانخفاض أسعار إيجارات السكن 3.4 في المائة. والتضخم الشهر الماضي هو الارتفاع الـ19 على التوالي، حيث ارتفع 0.7 في المائة في كانون الثاني (يناير) 2020، و1.2 في المائة في شباط (فبراير)، و1.5 في المائة في آذار (مارس)، و1.3 في المائة في نيسان (أبريل)، و1.1 في المائة في أيار (مايو)، و0.5 في المائة في حزيران (يونيو)".
ولعل المملكة للتضخم فيها اعتبارات خاصة بعد رفع ضريبة القيمة المضافة، إلا أنه ارتفع عن مستويات الارتفاع السابقة بنحو 1 في المائة، والانتعاش الاقتصادي عامة في الأسواق، الذي انعكس أثره في أسعار النفط والسلع الأخرى، له دور كبير في الارتفاعات التي تشهدها الأسعار في العالم، كما أن خطط التحفيز التي مارستها الولايات المتحدة ودول أخرى في العالم، كان لها انعكاس ليس فقط على أسعار السلع والخدمات، بل تضخمت معها الاستثمارات والأسواق المالية في العالم حتى ارتفعت مكررات الأرباح للشركات بشكل ملحوظ، وقد يكون مبالغ فيه في هذه المرحلة، وذلك بسبب الزيادة الكبيرة في حجم السيولة في الأسواق، وانخفاض العائد على الاستثمارات منخفضة المخاطر، مثل الصكوك الإسلامية والسندات. وانخفاض معدل الفائدة لدى البنوك المركزية، لا يجعل من المحفز إيداع الأموال في البنوك، كما أنه يحفز أكثر على الاقتراض، وبالتالي تضخم متوقع في الأسعار.
التحديات التي تواجه الأسواق اليوم متباينة، ولهذا نجد أن هناك نوعا من البطء في اتخاذ قرارات خاصة بالتضخم، فما زالت الجائحة تنتشر بشكل واسع في دول العالم، وما زالت بعض الإجراءات الاحترازية قائمة، كما أن اللقاحات التي يعول عليها العالم للخروج من هذه الأزمة هي ذاتها في أزمة بسبب عدم القدرة على توفير عدد كاف من اللقاحات. وبعدم التلقيح لجميع دول العالم، سنجد أن التحديات قائمة، خصوصا أن هذه اللقاحات قد لا تحقق مناعة دائمة، بل قد يحتاج إليها الشخص سنويا، وبالتالي يمكن أن تتجدد التحديات فيما يتعلق بانتشار الوباء، رغم التفاؤل الذي بدا ملحوظا في بعض دول العالم التي بدأت فعليا خطوات إنهاء الإجراءات الاحترازية، خصوصا أن العالم اليوم لم يعد يحتمل الاستمرار في هذه الإجراءات، فقد ولدت تحديات كبيرة على الاقتصاد، وتسببت في نمو سلبي لمعظم دول العالم، ما كان له آثار اقتصادية لا تحتمل.
فالخلاصة، إن التضخم اليوم أصبح خطرا يواجه الأسواق في العالم، وهو حاليا نتيجة متوقعة بعد بداية مرحلة التعافي لاقتصادات دول العالم، والتخفيف التدريجي للإجراءات الاحترازية وإجراءات التحفيز التي منها التيسير الكمي وتخفيض معدلات الفائدة في البنوك المركزية، الذي من شأنه أن يزيد من حجم السيولة في الأسواق التي تؤثر في تضخم أسعار السلع والاستثمارات، ولذلك قد ترى مجموعة من الدول أنه من الصعوبة اتخاذ قرارات للحد من حجم السيولة في الأسوق قبل أن تتأكد من زوال أثر الجائحة، وبهذا سيكون خطر التضخم قائما على الأقل في المدى القصير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي