السعودية موطن رحب لرصد النجوم والمجرات .. أرض خصبة للسياحة الفلكية
تشهد السعودية اهتماما كبيرا في مجال السياحة "الفلكية" الذي يتجه إليه الكثير من المهتمين بهذا المجال في ظل ما تتمتع به من تنوع طبوغرافي واسع نتيجة لما تمتلكه من مساحات كبيرة تشكل معظم أراضي شبه الجزيرة العربية.
ولتنوع التضاريس تأثيرا مهما مباشرا على انتشار هذه الظاهرة في المرتفعات الجبلية والأودية والكثبان الرملية والهضاب والسهول والصحاري الشاسعة التي تقع تحت قبة سماوية لاحصر للنجوم فيها حيث يُمكن لمن يبتعد عن أضواء المدن أن يرصد السماء ليلا ويراقب النجوم والكواكب بل وحتى النيازك العابرة والشهب المتساقطة في تجارب لاتُنسى وخاصة في ظل ارتفاع الوهج العالي للإنارة الصناعية التي تحجب التأمل في جمال النجوم.
وحول أهم المواقع في المملكة التي يمكن من خلالها رصد النجوم بكل وضوح قال الدكتور حسن عسيري رئيس قسم علوم الفلك والفضاء بجامعة الملك عبدالعزيز لوكالة الأنباء السعودية : تتنوع المواقع المناسبة للرصد الفلكي والمهيأة لمشاهدة النجوم بين الصحاري والسواحل والجبال حيث تمتاز الصحاري بالجفاف وندرة السحب وانعدام التلوث الضوئي مثل : صحراء الربع الخالي وصحراء النفود الكبير وصحراء الدهناء وصحراء بجدة الواقعة غرب تبوك في حين تمتاز السواحل إذا كانت نسبة الرطوبة الجوية فيها منخفضة باستقرار في طبقات الجو وانخفاض في درجة الحرارة مثل سواحل نيوم وأمالا وجزر البحر الأحمر والوجه والشعيبة ومنطقة السلع جنوب الوجه بينما تمتاز المواقع الجبلية في حال صفاء السماء من الغيوم والسحب بانعدام التلوث الضوئي ونقاء أجوائها من الغبار مثل جبال الفقرة غربي المدينة المنورة والشفا والهدا في الطائف وجبل "رال" بالقرب من مركز المنجور بالوجه ويضاف إلى المواقع المناسبة للرصد الفلكي العديد من المدن مثل العلا شمال غرب المملكة والتي تعد أحد أهم الوجهات السياحية في السعودية وحائل وتيماء إلى الجنوب الشرقي من تبوك.
وأضاف : أن السياحة "الفلكية" أو ماتعرف بـ "سياحة مراقبة النجوم" هي في الواقع إعادة ذكية لصياغة الأشياء وفرصة لإقامة الفعاليات الفلكية والأنشطة التي تواكب مختلف المسارات السياحية وتستحوذ على اهتمام الكثير لاسيما وأن المملكة تسير بخطى ثابتة نحو صناعة السياحة الحقيقية واستدامتها بتنمية وطنية مستقبلية شاملة ومتكاملة. مشيراً إلى أن إقامة المزيد من المحميات لأضواء النجوم .. يُمكننا من استحداث وجهات سياحية جديدة ومتميزة ترفيهية وتعليمية في نفس الوقت إلى جانب إقامة العديد من الفعاليات الفلكية مثل أسابيع الفضاء العالمية أو الأيام الفلكية وتفعيل القبب الفضائية العامة والخاصة والمشاركة في الأنشطة العلمية المتعلقة بالأحداث الفلكية مثل كسوف الشمس وخسوف القمر ورصد الشهب والكواكب بحيث يتم الجمع مابين متعة مراقبة السماء من جانب ، والعمل العلمي المتقن من جانب آخر.
وعن مراصد الأهلة في المملكة أكد انتشارها في مختلف المدن والمحافظات ومنها الثابت كمرصد مكة المكرمة والوجه وحالة عمار ومنها المتحركة في كل من سدير وتمير وشقراء والقصيم والدمام والمدينة المنورة وحائل بالإضافة إلى مركز خادم الحرمين الشريفين للأهلة وعلوم الفلك الواقع في أعلى برج ساعة مكة المكرمة الذي يعد أكبر شبكة مناظير فلكية في العالم لرصد الأهلة في سبع دول عالمية. مؤكدا في الوقت ذاته أن ذلك الانتشار الواسع لم يكن لولا فضل الله ثم حرص خادم الحرمين الشريفين وولي عهده على دعم مختلف العلوم في شتى المجالات.
ولفت في ختام تصريحه النظر إلى مايقوم به قسم علوم الفلك والفضاء في جامعة الملك عبدالعزيز من دور علمي ونوعي محليا ودوليا بهدف تخريج نخبة متميزة من حملة البكالوريوس والماجستير والدكتوراه مزودة بالمعارف والمهارات ومؤهلة لتغطية احتياجات سوق العمل في المجالات العلمية المتخصصة في الفلك الفيزيائي و ديناميكا الفضاء و فيزياء الفضاء و الفلك الراديوي وعلم الكون.
من جهته قال الدكتور أنور آل محمد رئيس جمعية الفلك بمحافظة القطيف في حديث مماثل لـ "واس" إن أفضل مايمكن مشاهدته في السماء والاستمتاع به : مجرة "درب التبانة" التي تقع الشمس والمجموعة الشمسية في إحدى ذراعيها على مسافة 8 آلاف سنة ضوئية من مركزها وتتألف من أكثر من 100 مليار نجم مثل الشمس وتظهر المجرة ليلا على شكل شريط في السماء ويختلف ظهوره من منطقة لأخرى بحسب نسبة التلوث الجوي الضوئي. مبينا أن الجزء الأشد كثافة بعدد نجومه هو مركز المجرة الذي يقع بين برجي العقرب وبرج القوس مما يجعل منظره ساحرا عندما يتم رصده ويمكن للراغبين التعرف على المواقع الخالية من الملوثات الضوئية في مختلف المناطق الدخول أولا على (خارطة التلوث الضوئي العالمية) حيث يمكن من خلاله معرفة أفضل الأماكن للرصد في المملكة.
ونوه إلى أن مشاهدة "المجرة" مستمر لمدة 9 أشهر في السنة تشرق فيها كل فجر باتجاه الشرق وتغرب عند غروب الشمس في ديسمبر وأفضل أوقات مشاهدتها بوضوح في الفترة ما بين يوليو وحتى أكتوبر من كل عام وخاصة عند منتصف الليل التي تعد أحد أبرز الأجرام الفلكية التي يستمتع الفلكيون والفوتوغرافيون بتوثيق مرورها إما بالصور الثابتة أو بتقنية التايم لابس.
وفي تبوك وتحديداً بين أملج والوجه تعمل شركة البحر الأحمر للتطوير القائمة على تنفيذ مشروع البحر الأحمر السياحي الأكثر طموحا في العالم وأحد المشروعات العملاقة لرؤية 2030 على جعل وجهتها "محمية عالمية لضوء النجوم" من خلال تقديم حلول مبتكرة في مجال التصميم الهندسي المستدام وتطوير إستراتيجية تحد من استخدام الضوء غير الطبيعي في مشروع البحر الأحمر "ليلا" والذي سيؤهلها للانضمام لمحميات السماء المظلمة في العالم سعيا منها للحصول على اعتماد الجمعية الدولية للسماء المظلمة (IDA) لعدد من مناطقها الطبيعية التي تحظى بأجواء استثنائية بالإضافة إلى انضمامها إلى 100 موقع عالمي التزموا بإجراءات صارمة بدعم من مجتمعاتهم المحلية لتحقيق ذلك واستعادة تلك العلاقة المذهلة التي تربط الإنسان بالنجوم".