Author

وقفة تأمل

|
هناك حقائق لا تقبل الجدل لأنها ماثلة للعيان بحيث لا يمكن إنكارها أو التملص من الإيمان بها، كيف وهي مثبتة في محكم التنزيل، ومن هذه الحقائق حقيقة الموت أو كما يحلو للبعض أن يسميه - زويان - فالله سبحانه يقول وقوله الحق "كل نفس ذائقة الموت.. الآية". نعم لا يمكن أن نلوم الإنسان حين يخاف من الموت أو حين يهرب منه، ولكن المشكلة أنه كلما أسرع الإنسان في الفرار من الموت كان ذلك ادعى لسرعة مقابلته! "قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم.. الآية". إن محاولة نسيان الموت أو تعويد النفس على التهوين من أمره لن يحقق للإنسان شيئا.
إن الله - سبحانه وتعالى - يحض الإنسان على السعي وطلب الرزق، "فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه.. الآية". والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول "إذا قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فاستطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليفعل". إذا أين المشكلة؟ المشكلة تكمن في انغماس البعض انغماسا كليا في الدنيا وشؤونها وطغيان نصيب هذا الجانب بشكل كبير على نصيب الجانب الآخر، وهو الجانب الأخروي. ولا شك أن هذا خطأ في التفكير لا يليق بإنسان عاقل أن يتبنى مثل هذا السلوك، إذ إن الإنسان مهما بلغ من العمر فإن هناك نهاية حتمية تعقبها أمور عظام يلزم الاستعداد لها لأنها أبدية سرمدية لا يعلم مداها الا الله. مما يروى عن نوح - عليه السلام - وقد عمر أكثر من ألف عام، أنه لما سئل كيف وجد الدنيا؟ قال "كدار لها بابان دخلت من أحدهما وخرجت من الآخر!" وصدق القائل:
«حكم المنية في البرية جار
ما هذه الدنيا بدار قرار
بينا يرى الإنسان فيها مخبرا
فإذا به خبرا من الأخبار
فالعيش نوم والمنية يقظة
والمرء بينهما خيال ساري».

إن البشرية كلها بعلمائها ومفكريها ومراكز أبحاثها لتقف عاجزة عن كيفية الهروب من الموت، لذا فإنه من الذكاء والحكمة أنه مع حق الاستمتاع بالدنيا إلا أنه ينبغي عدم الغفلة عن الاستعداد والتجهيز لما بعدها. "الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني".

اخر مقالات الكاتب

إنشرها