Author

كيف نكرس الولاء التنظيمي؟

|
يكثر في علمي الإدارة، والنفس التنظيمي استخدام مصطلح الولاء التنظيمي، أو الولاء الوظيفي، وأحيانا الولاء المؤسسي، وذلك في إشارة إلى المشاعر المعبرة عن العلاقة النفسية، والسلوكية التي يكنها الفرد تجاه المنظمة التي يعمل بها، سواء أخذت العلاقة صورة إيجابية، أو سلبية، وقد عني الباحثون، والدارسون لهذا الموضوع لما يترتب عليه من آثار تنعكس على المنظمة في سمعتها، أو إنتاجيتها، ومن ثم بقاؤها واستمرارها في الميدان، أو الخروج منه، تاركة المكان لمنظمة أخرى. كل المنظمات، سواء الإنتاجية، كالمصانع، والمعامل، أو المنظمات الخدمية، حكومية، أو خاصة كخدمات التدريس، والصحة، والصيانة، والمبيعات، وغيرها اهتمت، وتهتم بالولاء الوظيفي، وتوليه عنايتها متى ما أدركت أهميته في زيادة، وجودة إنتاجها، أو دقة، وحسن خدماتها المقدمة للزبائن. الدراسات على الولاء التنظيمي كشفت ثلاثة عناصر يتشكل على ضوئها الولاء: أولها العنصر الانفعالي المتمثل في الاتجاهات الإيجابية، أو السلبية التي تتشكل لدى من يعمل في المنظمة نتيجة التفاعل مع الزملاء، والرؤساء، والمناخ الذي يسود المنظمة، وتنعكس آثاره على منسوبيها مثل مشاعر التعاون، والمودة، والتقدير السائد بين الزملاء.
العنصر الثاني من مكونات الولاء التنظيمي يتمثل في الالتزام الأخلاقي، والأدبي تجاه المنظمة من خلال دفاعه عنها، وبيان أهميتها، وقيمتها في المجال الذي تعمل فيه، حتى ليصل الأمر بالفرد إلى تصوير منظمته كما لو أنها الرائدة في مجالها، دون منازع، وهذا عن قناعة تامة، وليس تمثيلا، أو أمرا طارئا. أما العنصر الثالث فيتمثل في عمق الشعور في الاستمرار في العمل، وعدم ترك المنظمة للقناعة التي توصل إليها بعد مدة طويلة من العمل، من أنها بيته الثاني الذي لا يمكنه التفريط فيه لما جناه ويجنيه من مكاسب.
الولاء التنظيمي لا يمكنه أن يتحقق إلا بوجود عوامل موضوعية، وواقعية يلمسها العاملون في المنظمة منها شعورهم بأهميتهم داخل المنظمة من خلال ما يجدونه من احترام، وتقدير من رؤسائهم، والزملاء، حتى إن كانت الأدوار التي يؤدونها متواضعة، ذلك أن التقدير، والثناء يزيدان من الولاء، كما أن الشفافية، ووضوح الأنظمة، واللوائح لها دورها في ذلك، حتى لا يرتبك العاملون، وتتداخل الأدوار، وينسب الإنجاز إلى غير أهله، ولعل الإنصاف، والعدل بين العاملين يشعر الجميع بالرضا، بدلا من السخط المنتج لحالة عدم الولاء، ويضاف إلى ما سبق من أسباب وجود الحوافز المعنوية والمادية، وبما يتناسب مع الجهد المبذول، والإخلاص الذي يلاحظ على منسوبي المنظمة. إن الأخذ بآراء العاملين في المنظمة مهما كانت أدوارهم يزيد من تقديرهم لذواتهم، ويشعرهم بقرب المسؤول منهم، واهتمامه بهم، وبآرائهم في إنجاز العمل. الاهتمام ببيئة العمل وتحسينها بتوفير المستلزمات المعينة، والمسهلة للإنجاز يمثل عاملا أساسيا في تحقيق الولاء التنظيمي، إن توفير التأمين الطبي للعاملين في المنظمة، وبرمجة الإجازات بشكل يناسب الجميع، والوقوف مع الجميع بلا استثناء في الظروف الطارئة عوامل تزيد الولاء متانة.
الحديث مع بعض العاملين في منظمات متفاوتة في حجمها، متنوعة في مجال نشاطها كشف لي أن الولاء الذي يوجد لدى فرد قد لا يتحقق لدى آخر يعمل معه في المنظمة نفسها، وقد عبر لي أحد العاملين في جهة من الجهات أنه يتمنى الخروج من مكان عمله في أسرع وقت، وبسؤاله عن السبب؟ أجاب بوضوح، وعدم تردد أن السبب يعود لعدم عدالة الرئيس، وحالة "الشللية" التي تسود في المنظمة، بل زاد على ذلك أن معظم أعباء العمل توكل له، بينما الترقيات، والحوافز تذهب لأصحاب الرئيس، إن الشعور بعدم الاستقرار الوظيفي يترتب عليه القلق، والتوتر، ومن ثم ضعف الولاء التنظيمي.
لا تخطئ الأذن، ولا العين في اكتشاف عدم الولاء التنظيمي، أو على الأقل ضعفه من خلال ما يظهر من سلوك، أو يسمع من قول، فمن يفتقد الولاء للمنظمة شديد التبرم، والتذمر من وضع المنظمة، يسعى للتحريض عليها، يشجع على رفض التوجيهات، والأوامر الصادرة من الرؤساء، ضعيف الإنتاجية، غير محافظ على أثاثها، وإمكاناتها المادية، مفش أسرارها، وخططها التنافسية، يتمنى خسارتها، كما يلاحظ عليه كثرة الغياب، ومخالفة الأنظمة.
إنشرها