السياحة العالمية في زمن حرج

"أزمة النقل والسياحة أطول وأعمق مما كان يتوقعه أي شخص"
ويلي والش، المدير العام لاتحاد النقل الجوي الدولي
لم تتوقف التحذيرات العالمية من مغبة استمرار الأزمة التي ضربت قطاع السياحة والسفر والنقل جراء تفشي فيروس كوفيد - 19 المستجد. ورغم عودة حراك هذا القطاع وإن بصورة طفيفة، إلا أن المؤثرات السلبية عليه لا تزال قائمة، بل تفاقمت في الآونة الأخيرة عبر ظهور سلالات متعددة لهذا الفيروس، وعودة بعض الدول إلى فرض قيود جديدة، فضلا عن الإجراءات الاحترازية التي يتخذها هذا البلد أو ذاك، في الوقت الذي كان فيه العالم ينتظر إزالة كل هذه القيود في الفترة القصيرة المقبلة. فحتى التجمعات البشرية خلال البطولة الحالية لكأس الأمم الأوروبية لكرة القدم، رفعت من مستوى الإصابات هذه في أوروبا، إلى أن طالب المسؤولون فيها، بمزيد من القيود على تحرك الجماهير المتابعة لهذه البطولة، التي تأجلت أصلا عاما كاملا بسبب الجائحة العالمية.
وقطاع السياحة والسفر يضم سلسلة من القطاعات الأخرى المحورية، التي تسهم في رفد الناتج المحلي الإجمالي، مثل النقل الشحن وحتى الخدمات البريدية والطرود المختلفة، أي: إن الخسائر التي مني بها حتى الآن بسبب الجائحة تتطلب وقتا طويلا لتعويضها، وتحتاج إلى أن يعود الحراك إلى ما كان عليه قبل الوباء. ولذلك فلا غرابة ما أعلنته منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "أونكتاد" أخيرا، بأن الانهيار في السياحة الدولية عموما، سيتسبب في خسارة أكثر من أربعة تريليونات دولار في 2020 و2021. وهذه الخسائر تشمل انضمام أعداد هائلة من العاملين في هذا القطاع والميادين المرتبطة به، الأمر الذي يرفع حدة الضغوط على الموازنات العامة للحكومات التي اعتمدت في الواقع بعد الجائحة ولا تزال ما يمكن وصفه بموازنات الطوارئ.
واستنادا إلى تقرير المنظمة الدولية، فإن السياحة العالمية والقطاعات الأخرى المرتبطة بها، عانت خسائر تقدر بـ 2.4 تريليون دولار في العام الماضي، وذلك نتيجة التأثير المباشر وغير المباشر للهبوط الحاد في حركة السياح الدوليين. التحذيرات من مواصلة الخسائر على هذه الساحة متعددة، خصوصا في العام الجاري، الذي يأمل العالم أن يتجاوز بعضا من التداعيات التي تركتها الأزمة الاقتصادية الناجمة عن كورونا. وكل الأمل يتعلق بالدرجة الأولى الآن، في إتمام سريع لعمليات التطعيم ضد فيروس - 19، وتوفير اللقاحات على المستوى الدولي بأسرع وقت ممكن. فاللقاح صار ضروريا للتحرك بحرية على المستوى الدولي، أو في التحرك بأقل عوائق ممكنة، ما يسهم في عودة مسار السياحة تدريجيا إلى ما كان عليه عام 2019.
ومن الواضح أن التعاون الدولي مطلوب على هذا الصعيد، خصوصا في مجال ربط ما يسمى شهادات كوفيد بقاعدة بيانات مشتركة، إذا ما أرادت الحكومات أن تقفز خطوات واسعة نحو الخروج من الأزمة التي يعانيها القطاع السياحي. فحتى اليوم لا تزال هناك شركات ومؤسسات في النطاق السياحة والسفر تخرج من السوق لانهيار أعمالها. وهناك نسبة كبيرة من هذه الشركات لا تزال تستند إلى الدعم المالي الحكومي بما في ذلك تسديد رواتب العاملين فيها. وفي إشارة واضحة إلى الخسائر عموما، رفع اتحاد النقل الجوي تقديراته للأضرار في قطاع شركات الطيران من 40 مليارا في أواخر العام الماضي، إلى 48 مليارا هذا العام، وتعتقد هذه المؤسسة أن الخسائر ستتواصل طالما ظل أداء النقل والسفر عموما عند المستوى الحالي له.
هذه إشارة واحدة من مجموعة إشارات على المخاطر التي تضرب قطاع السياحة والسفر والنقل، وعلى المخاطر الأكبر التي ستنال منه إذا لم تدفع عمليات التطعيم الحراك نحو الأمام، وإذا لم يجر تعاون دولي مباشر. فالأضرار التي نالت هذا القطاع هي أكبر بـ 11 مرة من تلك المسجلة خلال الأزمة الاقتصادية العالمية التي انفجرت عام 2008. فخلال الأزمة الناجمة عن كورونا تراجع عدد السياح والمسافرين حول العالم بنسبة 75 في المائة بسبب وكالة الأمم المتحدة المكلفة بالسياحة، في حين لم تتجاوز هذه النسبة 20 في المائة خلال أزمة عام 2008. أي إن العالم يواجه الآن واحدة من أكبر المصائب التي تضرب واحدا من أهم القطاعات على الإطلاق. فهناك دول تصل عوائدها من السياحة إلى 90 و95 في المائة، وهذا يعني أن تراجع هذا القطاع لا يحتمل، لاقتصادات تعاني أصلا مشكلات سابقة للوباء.
سيأخذ تعافي قطاع السفر والسياحة وقتا لن يكون قصيرا، فهو مرتبط ارتباطا مباشرا بنجاح عمليات التطعيم العالمية. ورغم أن هذه العمليات تجري بوتيرة ليست بطيئة، إلا أن المتحورات الجديدة لفيروس كوفيد - 19، ربما تضرب مسار التطعيم، إذا لم تتم السيطرة السريعة على السلالات الجديدة. فالعالم لا يتحمل لا اقتصاديا ولا اجتماعيا ولا حتى سياسيا، أوبئة جديدة وإن كانت محصورة في بعض المناطق في العالم. فالتواصل العالمي يمثل أساسا في دفع عجلة الاقتصاد الدولي، وقطاع السياحة والسفر، يبقى الميدان الأوسع لهذا التواصل والتلاقي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي