Author

توثيق جائحة كورونا

|

أستاذ الطاقة الكهربائية ـ جامعة الملك سعود

[email protected]

يمثل التوثيق أحد المظاهر الضرورية لحفظ الأحداث التاريخية والمعلومات العلمية من أجل رسم دروس مستفادة من الماضي إلى الحاضر ومنها إلى المستقبل والأجيال القادمة. وللتوثيق جوانب متعددة مثل التوثيق الكتابي كالمخطوطات والصحف والتقارير والكتب، أو التوثيق التصويري مثل الأفلام المصغرة والصور الشمسية أو الرسومات، أو التوثيق السمعي والمرئي مثل التسجيلات الصوتية والإذاعية أو الأفلام السينمائية والتلفازية. يقول الباحث والمؤرخ فائز بن موسى البدراني: "... الوثائق المكتوبة هي المصدر الأول لأي بحث تاريخي، بل هي شاهد العيان الذي ينقل تفاصيل الحدث التاريخي بزمانه ومكانه وأشخاصه وجزئياته فالوثيقة هي تسجيل ثابت للحدث ساعة حدوثه بما يحفظ تفصيلات الموضوع ويحميها من عوامل التغيير والزيادة أو النقص الذي يطرأ ..."، ظهرت أهمية التوثيق في الاجتماعات ومذكرات التفاهم والاتفاقيات الدولية والأحداث التاريخية لأنها الذاكرة الحصينة التي لا يدركها النسيان وحلقة وصل تصل الحاضر بالماضي. وما زلنا نتذكر أحداثا حدثت في زمن سحيق لأنها وثقت، وقد تكون قبل الميلاد بعشرات أو مئات الأعوام، ولكن قد تغيب عنا أحداث وتفاصيل زمنية قبل 100 عام أو أقل.
لقد مرت على الجزيرة العربية جوائح وأوبئة متعددة مثل سنة الحصبة 1912 وسنة الرحمة 1919 وسنة الجدري 1939. ولقد وثق كتاب "خزانة التواريخ النجدية" للمؤلف عبدالله بن عبدالرحمن آل بسام تفاصيل مثيرة عن جائحة الإنفلونزا الإسبانية أثناء فترة تفشي وبائها في الجزيرة العربية عام 1919. ولكن يظل السؤال عن حجم توثيق جائحة كورونا حاليا وما زلنا نعيشه ونحتاج إلى من يتولى توثيق كل الدروس المستفادة بكل تفاصيله والعمل الجبار الذي قدم ولا يزال على الرغم من الموجات المتتالية للجائحة.
كنا نعيش أياما قبل مارس 2020 تختلف تماما عن الآن، المتمثلة - على سبيل المثال وليس الحصر – في التباعد الاجتماعي ولبس الكمامات وتعقيم اليدين وحظر كلي وجزئي (وما نتح من إغلاق المساجد والأسواق والمطاعم وغيرها) وإغلاق المدارس وحظر الاجتماعات والعمل عن بعد وإنشاء تطبيقات رقمية، مثل تباعد وتوكلنا وصحتي وغيرها، والآن نعيش مع لقاحات كورونا في سباق مع الزمن. ورأينا آثارا اقتصادية على المنشآت المتوسطة والصغيرة وسبل معالجتها ومراقبة منحنى الإصابات وتفاصيل كثيرة قدمت في عمل بطولي فريد. كانت المملكة بالفعل إحدى الدول المتقدمة في محاصرة هذا الوباء بخطة واستراتيجية محكمة وتفوقت بها على دول كنا نعتقد أنها في مصاف الطب وإدارة الأزمات قبل انكشافها وضعفها من فيروس كورونا.
أفلا يستحق أن تدرس التجربة السعودية في مقررات إدارة الأزمات بالمؤسسات الأكاديمية؟ قدم فيلم وثائق سعودي بعنوان "مرحلة صعبة" وفاز بجائزة دولفين الفضية بمهرجان كان للإعلام المؤسسي وعلى الرغم من فرحنا بهذا الإنجاز العظيم المتمثل في الجهود الكبيرة التي بذلتها وزارة الإعلام في توثيق الظروف التي واجهها المجتمع السعودي أثناء فترة جائحة كورونا السابقة، لكننا نحتاج إلى لجنة وزارية عليا تتولى توثيق تفاصيل الحدث على مستوى كل الوزارات والهيئات والجهات الحكومية والمؤسسات المجتمعية كافة سواء المكتوب والمرئي والمسموع منها أو من غيرها، ثم تجمع وتحفظ في مكان واحد مثل المركز الوطني للوثائق والمحفوظات. إن مثل هذه الجوائح والأزمات تتكرر في فترات متباعدة، وإن من حق الأجيال القادمة علينا معرفة ما عمل وخطط وقدم ونفذ كي يستفيدوا من أي أزمة أو أوبئة مشابهة، ولكن من حقنا عليهم أن يعلموا أن قيادة المملكة الحالية تعاملت مع التحديات التي فرضتها جائحة كورونا بكل حكمة وجدارة على جميع الأصعدة.

إنشرها