Author

الوصف الوظيفي وقائمة المهام غير المكتوبة

|
في المنشآت المنظمة بشكل جيد ستجد وصفا وظيفيا واضحا لكل وظيفة، يوضح طبيعتها والمسؤوليات المرتبطة بها إضافة إلى قائمة المهام المتوقعة من صاحب الوصف الوظيفي. وجود سجل المواصفات الوظيفية المكتمل يعد علامة من علامات النضج المؤسسي. لكن حين تكون العملية منظمة بهذا الشكل، يصنع بعض الموظفين تحديات لأنفسهم ولمديريهم حول القيام بأعمال أخرى غير المنصوص عليها في الوصف الوظيفي.
بعيدا عن الجوانب القانونية المرتبطة بعمل خارج إطار الوصف الوظيفي - وهذه مسألة دائما ما تطرح عندما تتغير طبيعة المهام - هناك أعمال خارج الوصف الوظيفي يجب على الموظف القيام بها، وإذا لم يقم بها قد يعد مقصرا، وربما يضمن وجود اسمه في قائمة الخاملين والكسالى الذين يقدمون ما هو أقل من المتوقع بكثير. كيف يحدث ذلك؟ يتساءل بعض الموظفين: "عملي ومهمتي هي القيام بما يطلب مني فقط حسب العقد والوصف الوظيفي، أين المشكلة في رفض أي شيء آخر؟". هناك كثير من الأمور المطلوبة من كل موظف لا يتسع الوصف الوظيفي لذكرها وليس من غرض الوصف الوظيفي تفصيلها.
أول الأمور التي لن تجدها في الوصف الوظيفي هي كل ما يرتبط بالقيم المنصوص عليها أو الموجودة ضمنيا في علاقة الموظف بمكان عمله، وهذا يشمل قيم الشركة والقيم المهنية إجمالا، الأخلاق المهنية تحتم القيام بأعمال أو الامتناع عن أعمال تترجم تمسك الموظف المتوقع بهذه القيم، وهذه تشمل أمورا مثل: الولاء والصدق والنزاهة والتفاعل والمبادرة والتعاون والتآزر والاهتمام بالجودة والتعلم المستمر، والقائمة طويلة جدا. المحافظة على هذه القيم تعني القيام بسلوكيات محددة، أو تنفيذ العمل بطريقة محددة، أو المشاركة في أعمال، أو الابتعاد عن أعمال لن يكون لها ذكر في الوصف الوظيفي، الوصف الوظيفي أقرب إلى دليل أو مرجع للمهام الرئيسة ولا يعكس بأي حال من الأحوال نطاق العمل المحدد والثابت بين الموظف ومكان عمله.
من الأمور الأخرى التي لن تكون موجودة في الوصف الوظيفي مجموعة المتطلبات الاستباقية للقيام بالمهام الموجودة في الوظف الوظيفي. كل مهمة مذكورة لها متطلب مهاري أو كفاءة أو معرفة محددة. في العادة يكون هذا المتطلب أمرا متجددا حسب تجدد الواقع المرتبط به، أي: حسب تجدد ممارسات السوق والقطاع والتقنية والمعرفة وما إلى ذلك. كذلك قد تختلف أدوات القيام بالمهام وقد تتجدد، ما يعني تجدد المهارات والكفاءات المطلوبة.
في بعض الأوصاف الوظيفية تكتب الكفاءات أو الجدارات الرئيسة المرتبطة بهذه الوظيفة، لكن هذه الكفاءات ليست شهادة أو ميزة يحوزها الشخص أو لا يحوزها وإنما هي سمة لأمر متجدد ومتطلب مهم للقيام بالعمل المطلوب، لذا على صاحب الوصف الوظيفي العمل بشكل مستمر لتطوير هذه الكفاءات، ما يتطلب منه اليقظة المستمرة والتعلم الذاتي والاستعداد لتمكين نفسه من أداء المطلوب. باختصار، عليه القيام بقائمة أخرى من الأعمال الممكنة التي تبني قدراته حتى يقوم بمهامه الرئيسة، وهذا متوقع منه ولن يكون مكتوبا في العادة. قد يقوم الموظف بأعمال في مقر عمله ليتمكن من تطوير إمكاناته، مثل السؤال والمقابلات والاستماع والمشاركة في أعمال ليست ضمن مهامه الوظيفية، وقد يقوم بأعمال في منزله "مثل التعلم الذاتي".
أما الأمر الثالث المتوقع والمهم جدا ولن تجده في العادة في الوصف الوظيفي وهو التفاعل والمبادرة. يناقش كثير من الملتزمين المنضبطين مديريهم في فترة التقييم السنوي طلبا للترقيات والتقدير، بعبارة مثل: "لقد قمت بكل ما هو مكتوب في الوصف الوظيفي" والحقيقة هو قام بذلك لكن لم يتجاوزه بخطوة واحدة. هذا لا يكفي للتقدم. الانتقال في المسار المهني إلى الخطوة الثانية يتطلب توضيح القدرة على ذلك قبل حصوله، ولو بشكل جزئي، ولو ببعض المؤشرات.
وهذا يعني، أن الذي يتقن مهام عمله الحالي يجب أن يتمكن من إثبات قدرته على القيام بما هو أكثر من ذلك. في العادة يمكن إثبات ذلك بالقيام بالأعمال التطويرية والتحسينية، أو مثلا مساعدة المدير أو الإدارة على تغطية الثغرات والعيوب، بما في ذلك ثغرات الآخرين. بعض الموظفين مستعد للرد بعبارات مثل: "هذا عمله وليس عملي"، "إذا ساعدتهم اليوم سألبس ثوب المساعد ويتم استغلالي للأبد"، وما إلى ذلك. نعم يحصل هذا أحيانا، لكن لا بد من المبادرة والتجربة. قائمة الأعمال الضرورية المطلوبة للنجاح التي لا ينص عليها الوصف الوظيفي قائمة حقيقية غير مكتوبة. الوصف الوظيفي يعد نقطة الارتكاز التوصيفية لمهام العمل الرئيسة، له متطلبات عملية قبلية ويقود الموظف إلى أعمال تفاعلية أكبر بكثير مما يحتويه، من ينظر له بغير ذلك لن يخرج - على الأرجح - من نطاقه.
إنشرها