ماذا لو تركت أسواق النفط بلا رقيب؟

ما زالت بعض الجهات، أو الأقلام الموجهة وغير المنصفة تسعى جاهدة إلى رسم صورة ذهنية مضللة عن "أوبك" وتكريس أنها منظمة احتكارية تهدف إلى التحكم في أسواق النفط وأسعاره لمصلحة أعضائها فقط. لا أستغرب أن يتبنى هذا الطرح من لهم أطماع سياسية.
ولا أستغرب كذلك أن تلمح بذلك بعض الدول المستهلكة للنفط بغية الضغط على المنتجين عبر أذرعها الإعلامية. المحير حقا أن يتبنى بعض "المنظرين" من دول منتجة للنفط هذا الطرح، أو يرون في ترك أسواق النفط حرة بلا رقيب خطوة إيجابية ستنعكس على أسواق النفط. الحقيقة التي لا تخفى على كل ذي لب، أن "أوبك" أسست لتنسيق وتوحيد السياسات البترولية للدول الأعضاء، وضمان استقرار أسواق النفط من أجل تأمين إمدادات فعالة واقتصادية ومنتظمة من النفط للمستهلكين، وتحقيق دخل ثابت للمنتجين وعادل بالنسبة إلى العائد على رأس المال المستثمر في صناعة النفط.
دور أعضاء "أوبك" المحوري بقيادة السعودية هو مراقبة أسواق النفط لاتخاذ القرارات المناسبة والتوافقية، إما برفع إنتاج النفط أو خفضه، وذلك للحفاظ على الأسعار وإحداث توازن بين العرض والطلب تستقر على ضوئه الأسعار في نطاق مناسب ومجد للمنتجين والمستهلكين.
هب أن أسواق النفط بلا رقيب، وليس هناك "أوبك"، فماذا كان سيحدث لأسواق النفط في أحداث تاريخية مفصلية كثيرة؟ من أهم محطات "أوبك" والتحديات التي مرت بها وتجاوزتها، حرب تشرين الأول (أكتوبر) عام 1973، وبعد ستة أعوام في عام 1979 انخفض إنتاج النفط بصورة مؤثرة، بسبب الثورة الإيرانية ارتفعت فيه أسعار النفط إلى نحو 70 دولارا. كذلك الغزو العراقي للشقيقة الكويت عام 1990، الذي تسبب في نقص حاد للإمدادات النفطية وإرباك أسواق النفط، وتلا هذه الأحداث الأزمة المالية الآسيوية عام 1997 التي ألقت بظلالها على الاقتصاد العالمي وأثرت في أسواق النفط وأسعارها. بعد ستة أعوام، أي في عام 2003 تأثرت أسواق النفط بالحرب على العراق، وهي أحد المنتجين الرئيسين للنفط، التي أثرت في أسواق النفط والاستقرار في المنطقة، وفي عام 2008 كشرت الأزمة المالية العالمية التي تسببت في انهيار أسعار النفط من 147 دولارا إلى نحو 32 دولارا. من الأحداث الجوهرية أيضا ما حدث مطلع عام 2016 حين بلغ فائض معروض النفط أعلى مستوياته منذ أكثر من عشرة أعوام بمتوسط خمسة ملايين برميل يوميا، ما أدى إلى تدهور الأسعار، فكان لـ"أوبك" بقيادة السعودية موقف تاريخي وجهد استثنائي يشار إليه بالبنان أدى إلى اتفاق تاريخي نهاية عام 2016، حيث اتفق الأعضاء في "أوبك"، ومنتجون مستقلون على رأسهم روسيا على خفض إنتاج النفط، ما حافظ على الأسعار من مزيد تدهور.
توقعت في ظل جائحة كورونا أن تنجلي الغشاوة عن أعين المناهضين لـ"أوبك" ودورها الفاعل والمحوري في مراقبة وضبط أسواق النفط لخدمة المنتجين والمستهلكين على حد سواء، حيث نجحت "أوبك" وحلفاؤها في استقرار أسواق النفط وتأمين إمدادات منتظمة من النفط للمستهلكين، حافظت فيه على الأسعار وأحدثت توازنا بين العرض والطلب استقرت على ضوئه الأسعار في نطاق مناسب ومجد للمنتجين والمستهلكين في ظل هذه الظروف الاستثنائية، والقاسية جدا على جميع دول العالم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي