Author

ابتكار الشركات والاستثمار الجريء

|

* أستاذ هندسة الاتصالات المشارك

لا يخفى أثر الابتكارات النوعية والتقنية الناجحة في الدفع بعجلة الاقتصاد والتنمية وزيادة التنافسية في الأسواق والقطاعات المختلفة. لكن تظل معضلة التمويل وتوفير الموارد المالية الكافية للمشاريع والمبادرات الابتكارية عموما لا توازي الاحتياج الفعلي أو اللازم لتسيير تلك الابتكارات وتحويلها إلى فرص استثمارية قابلة للتسويق. والسبب الرئيس يعود إلى المخاطرة العالية التي تكتنف تلك المشاريع والمبادرات، وانخفاض نسب نجاحها. فبكل تأكيد لن يخاطر المستثمر بتعريض رأسماله للمغامرة دون عوائد مجزية للاستثمار أو بتأكيدات نجاح المشاريع أو الشركات المستثمر فيها، وكما يقال: فإن "رأس المال جبان". لذلك يعاني كثير من الشركات الناشئة القائمة على نماذج عمل أو منتجات أو خدمات ابتكارية في الحصول على تمويل يغطي تكاليف التطوير أو إثبات نجاح منتجاتها أو خدماتها أو الموارد المالية، التي تغطي الزيادة في تكاليف التشغيل والتطوير لمقابلة النمو والتوسع لتلك المنشآت. ولمعالجة هذا التحدي والعزوف عن الاستثمار في الشركات الناشئة عالية المخاطرة، نشأ ما يعرف بصناديق أو شركات الاستثمار الجريء.
تقوم صناديق الاستثمار الجريء عادة بإدارة أصول مالية تعود لمستثمرين متعددين موزعة على حقائب استثمارية مختلفة للاستثمار في شركات ناشئة ذات طابع ابتكاري. ولتحييد المخاطر أو تقليل نسبة فشل تلك الاستثمارات، تقوم تلك الصناديق بالاستثمار في شركات متعددة وقطاعات مختلفة لتوزيع نسب المخاطرة، لتنتهي بمعدلات مخاطرة منخفضة نسبيا على مستوى تلك الصناديق.
ويقاس مدى نجاح الحقائب الاستثمارية بمستوى العائد على الاستثمار في الشركات الناشئة أو التقنية بشكل مجمل، وليس العائد على الاستثمار من شركة بمفردها، التي قد تصل أحيانا إلى عشرة أضعاف المبالغ المستثمر فيها أو تزيد. كما برهن عديد من الشركات التقنية الممولة بهذا النوع من النماذج المالية على تحقيق معدلات نمو ضخمة وزيادات في الأصول والأرباح مثل شركتي أمازون وياهو، وكذلك عديد من شركات الاقتصاد التشاركي. في صناديق الاستثمار الجريء غالبا لا يملك المستثمرون صلاحيات لإدارة الصناديق الممولة من قبلهم، لضمان عدم إرباك الاستراتيجية الاستثمارية أو التدخل في قرارات الاستثمار أو التخارج من تلك الشركات.
أخيرا، أصبح عديد من الشركات الكبرى تولي مسألة الابتكار والإبداع، سواء على مستوى العمليات والتشغيل أو في إطلاق منتجات أو خدمات ابتكارية نوعية، أهمية كبرى في سياساتها واستراتيجيتها. لكن تظل معدلات الإخفاق في المبادرات الابتكارية للشركات أعلى من نسب النجاح، وذلك يعود لسببين رئيسين: أولا يدير بعض تلك الشركات مبادرات أو مشاريع الابتكار مثل إدارتها لمشاريعها التقليدية، وثانيها الاكتفاء بعدد من المبادرات المحدودة والاستغراق في استكشاف جدواها وقابلية نجاحها.
من الحلول المقترحة لتحقيق النجاح في إطلاق المبادرات الابتكارية وتخطيها مرحلة الإثبات والاختبار إلى الإنتاج ودخول الأسواق، هو تبني نموذج صناديق الاستثمار الجريء. فبتخصيص الشركة صندوقا لتمويل المشاريع الابتكارية الخاصة بها والاستثمار في عدد كبير من تلك المبادرات سيساعدها أولا على توزيع نسب المجازفة في حال إخفاق بعض منها على جميع المبادرات، وثانيا سيمكنها من سرعة استكشاف المبادرات غير القابلة للتطبيق أو النجاح. إن الاستعانة بنماذج عمل أو استراتيجيات مختلفة عن تلك الممارسات السائدة قد تفتح آفاقا جديدة سواء في الإدارة أو الابتكار والاستثمار.

إنشرها