الضمانات الحكومية حجر الزاوية 

 تواجه شركات كثيرة حول العالم أزمات كبيرة جراء تفشي وباء كورونا المستجد، وفي كثير من الحالات تتسم هذه الأزمات بالعمق، على الرغم من استفادة النسبة الأكبر من هذه المؤسسات من حزم الدعم التي أطلقتها معظم الحكومات في العالم لإنقاذها من تداعيات الجائحة العالمية التي فاجأت الجميع. وهذه الحزم، وفرت بالفعل سندا قويا للمؤسسات المشار إليها، بما في ذلك تسديد رواتب العاملين فيها خلال فترة الإغلاق الاقتصادي الطويل، إلى جانب طبعا القروض الممنوحة لها بفائدة صفرية.

وحزم الإنقاذ هذه شملت أيضا الأعمال الصغيرة والمتوسطة، أي أن معظم المؤسسات بكل أشكالها استفادت منها، في وقت كانت قد وضع فيه عدد منها ضمن رؤاها المستقبلية احتمالات خروجها من السوق، خصوصا تلك التي عجزت بالفعل عن تسديد فواتير الخدمات البسيطة. مع بدء إقدام الحكومات حول العالم على فتح اقتصاداتها، ولا سيما في ظل تزايد عمليات التلقيح ضد كورونا، ظهرت مشكلات كبيرة جدا على صعيد الشركات بشكل عام، فبعضها يتعرض لضغوط حاليا على صعيد تسديد سندات تستحق قريبا، وتظهر بين هذه الشركات مؤسسات صينية كبرى، إذ يقدر حجم السندات المشكوك في تسديدها في وقتها بنحو 46.8 مليار دولار.

والأمر ليس أفضل كثيرا على ساحة الشركات في عدد من الدول المتقدمة، لكن هذه الأخيرة لا يمكنها أن تسمح بوصول الوضع إلى حالة عدم السداد، حتى إن تعرضت عشرات الشركات في الشرق والغرب إلى تخفيض مستوياتها الائتمانية في الفترة الماضية، والحقيقة أن تخفيض التصنيفات الائتمانية شمل دولا، بما فيها دول متقدمة جدا. قائمة الشركات الصينية التي تواجه ضغوطا بالسداد ليست قصيرة، حيث تواجه ضغوطا مالية، على الرغم من أنها لم تعلن عدم قدرتها على السداد.

لكن المؤشرات كلها تدل على أن بعضها لن يتمكن من السداد في الوقت المحدد، ما يرفع حالة القلق على مصيرها، ويؤكد في الوقت نفسه تصنيفاتها الائتمانية التي انخفضت بالفعل. وهناك عدد من المسؤولين لا يرون بأسا في تخفيض التصنيف، مقابل عدم خروج شركاتهم من السوق أو إخضاعها لسيطرة المشرعين.

لكن الأمور لا تزال غامضة في هذا المجال، ولا سيما أن الحكومة الصينية يمكنها أن تتحرك في الوقت المناسب لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في هذا المجال، في الوقت الذي تسعى فيه بكين إلى استقطاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية لتسريع حراك التعافي الاقتصادي.

والوضع كما أشرنا ليس أفضل كثيرا على الساحة الغربية، فقبل أيام أعلن المعهد الألماني لأبحاث الاقتصاد، أنه يرى صعوبة في تعافي الشركات في ألمانيا، وهذا البلد كان كما هو معروف الأفضل من حيث الأداء الاقتصادي خلال أوج جائحة كورونا ويتصدر تصنيف القارة العجوز اقتصاديا، مقارنة ببقية اقتصادات منطقة اليورو، والاقتصاد البريطاني، ما يطرح أسئلة حول مصير الشركات الأخرى في الدول الغربية، وتحديدا في الاتحاد الأوروبي. بحسب استطلاع جديد فإن نحو 21 في المائة من الشركات الألمانية قيمت الأضرار التي تسببت فيها جائحة كورونا بأنها مهددة لوجودها، وقد بدأت موجة إفلاس خلال الأشهر الماضية حسب توقعات خبراء ولربما تستمر على هذا النحو.

والضغط سيتكثف على قطاع الصادرات، الخدمات، السيارات، وشركات الصناعات التحويلية، ولا يزال كثير من الشركات يعاني نقصا حادا في السيولة جراء الأزمة. واللافت، الشكوك التي تحوم حول شركات معينة في الصين وتحديدا في مسألة عجزها عن السداد، وأنها حققت بالفعل نموا ملحوظا في أداء عملياتها في الربع الأول من العام الجاري، ما يجعل تعافيها أسرع، ويضمن لها تصنيفا مقبولا على الساحة الاقتصادية.

لكن في النهاية لا يمكن لهذه الشركات أن تتقدم في المستقبل دون دعم حكومي آخر، يضمن لها أدوات مرنة في التعافي وبالتالي في الإنتاج، دون أن ننسى، أن بعض الشركات العالمية الكبرى جرى تأميمها بالفعل من جانب الحكومات في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية التي انفجرت في عام 2008، فالضمانات الحكومية تبقى حجر الزاوية في أوقات الأزمات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي