التغافل فن ومهارة

تمر الحياة بحلوها ومرها على كثير من الناس ولكن القليل من يدرك أن هناك أساليب وممارسات تعين الإنسان على أن يعيش وهو منشرح الصدر، يحبه الآخرون ويحترمونه بل إنه هو يكسب احترامه لنفسه، وذلك حين يحرص على تطبيق الأمور التي يمكن تسميتها بأساليب الذكاء الاجتماعي. ومن ذلك قضية التغافل التي تنم عن ذكاء صاحبها وليس كما يتصور البعض أنها دليل ضعف أو غباء. أشير إليها في محكم التنزيل: "وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض..." الآية. والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه". إن التغافل مصدر رئيس من مصادر السعادة، لأنه يحمل في طياته السماحة والعفو وصفاء النفس ولين الجانب، وقد ورد الثناء على التغافل في أقوال الحكماء وفي الأدب العربي كثيرا ومن ذلك مقولة: "العقل: ثلثه فطنة وثلثاه تغافل"، وقولهم: "لا يكون المرء عاقلا حتى يكون عما لا يعنيه غافلا"، والشاعر يقول:
ليس الغبي بسيد في قومه
لكن سيد قومه المتغابي
والآخر يقول:
وقد أمر على السفيه يسبني
فمضيت ثمة قلت لا يعنيني
وفي الشعر الشعبي يرد الثناء على أدب التغافل كثيرا"
الكلمة اللي ما لها قيد وعقال
لا مرتك لا تعترض في نحرها
صد وتغيفل لا تلقي لها بال
خل الخبول تصرها في غترها
إن العاقل حين يتأمل التغافل يجده ضرورة في كثير من المواقف، إذ إن طبيعة الحياة أن يكون فيها اختلاف وهذا يحصل حتى بين الأزواج وبين الأخوة والأقارب، وهنا يظهر المعدن الأصيل للرجل أو المرأة ممن عود نفسه على هذه الفضيلة. كيف وقد قيل: "تغافل عن مساوئ الناس تستدم ودهم". إن الناظر لديمومة العلاقة المتميزة بين الأفراد، خاصة بين الأزواج سيلحظ أن التغافل يعد ركيزة أساسية من ركائز تلك السكينة والسعادة التي تحيط بهم. وبالطبع فإن الحث على التغافل لا يعني الإهمال أو التقصير في توجيه الأسرة أو الأبناء لما في خير دينهم ودنياهم، وإنما المراد هو عدم التدقيق في الأمور التي لا تستدعي الوقوف عندها بحال من الأحوال.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي