بين المتعة والألم
لا تكاد تخلو حياة أحد من البشر من المنغصات وعوارض الطريق التي تصرفه عن مساره الذي رسمه لنفسه لتحقيق أهدافه، أو تعيق رحلة النجاح الخاصة به. مشاعر مختلفة تنتابنا متذبذبة بين الشعور بالقلق ومرورا بالهم والحزن، أو حتى الإحساس بالخوف من المجهول. يتباين الناس حول كيفية التعامل مع تلك الأحداث والمنغصات، وفقا لقناعاتهم والظروف التي نشأوا فيها أو التجارب التي مروا بها. وبحسب طريقة تعاطينا لتلك الحوادث، تتشكل تصرفاتنا التي قد تنتهي بحالات من الإحباط والشعور بالهزيمة من أول حالة إخفاق أو عدم تحقق منشود. لذلك من الضروري حقا أن نغير من قناعاتنا وأن نوطن أنفسنا على احتمالية حصول غير المأمول أو المرور بتجارب أو قرارات غير موفقة أحيانا في حياتنا. إن تلك القناعة تخفف من صدمة الإخفاق أو الفشل في المرة الأولى، وتحول دون أن تضعف من العزيمة والإصرار. من القناعات المهمة التي تساعد على تخطي مراحل الحياة بنجاح - بإذن الله - هو استشعار أن النجاح مقرون بالتعب والجهد، وأن متعة النجاح وتحقيق الآمال والتطلعات مقرونة بألم المحاولة والنهوض بعد السقوط. فكما أن الدارس يكابد مرارة الصبر والسهر على التعلم لأعوام ليظفر بمتعة النجاح والحصول على الدرجة العلمية، فرحلة الحياة شبيهة بهذا المشهد. وأستشهد كذلك بقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "وللصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه"، فاعتقاد الصائم أن ألم حبس النفس عن الطعام والشراب تعقبه متعة الفطر ونيل الأجر تخفف عنه تلك المشقة.
يذكر أنتوني روبنز في كتابه الشهير "أيقظ قواك الخفية"، أن من أهم الدوافع لتغيير واقع حياتنا هو دافع الألم والمتعة. فبقدر اعتقادنا لما يحقق لنا المتعة أو الألم، فإن تصرفاتنا تسير وفقا لهذا الاعتقاد. ولذلك تجد أن الناس يتفاوتون في إنجاز أهدافهم ومستوى إصرارهم في سبيل تحقيق آمالهم. من المعضلات أيضا هو أن تقييمنا للأمور والأحداث يكون على المدى القريب أو القصير، فبموازنة الألم الحالي الناتج من بذل الجهد والعمل والصبر عليه قد يدعونا لترك المشقة الحالية في سبيل الراحة والمتعة قصيرة الأمد. إن الوصول للغايات الكبرى وتحقيق الأهداف السامية والطموحات العظيمة قطعا ليس بالأمر الهين أو سهل المنال، بل إن تجاوزه يتطلب عبور مفاوز الحياة والصبر على آلامها للظفر بمتعة النجاح وتحقيق الأماني، وكما قال الشاعر:
لا تحسب المجد تمرا أنت آكله
لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا".
إن قصص عديد من الشخصيات الملهمة والناجحة تجسد هذا المعنى، معنى المراوحة بين المتعة والألم والرحلة الشاقة التي مروا بها من أجل تحقيق أهدافهم في نهاية الطريق. فعلى سبيل المثال بطل الملاكمة العالمي محمد علي كلاي لم يسطر نجاحاته لولا صبره الشاق والطويل على التدرب والنزال منذ أن كان عمره 12 ربيعا. وأختم بمقولة للكاتب الأمريكي ورجل الأعمال أنتوني روبنز: "الحياة عبارة عن مشكلات، فإما أن تهزمك المشكلات، أو أن تجعل منك شخصا عظيما. الأمر متوقف عليك". فاتخاذ القرار الصائب بيدك.