Author

«تريليونية» التحفيز والتنمية الأمريكية

|
كاتب اقتصادي [email protected]
"شركات عملاقة بينها أمازون، لا تدفع سنتا واحدا من ضريبة الدخل"
جو بايدن، رئيس الولايات المتحدة
يريد الرئيس الأمريكي جو بايدن، أن يربط بقوة مرور 100 يوم على دخوله البيت الأبيض رئيسا للبلاد، بخطته التريليونية التي طرحها حتى قبل أن يتسلم مقاليد الحكم. وهذه الخطة التي تصل قيمتها إلى أكثر من 1.9 تريليون دولار، لا تظهر على الساحة إلا كل جيل أو جيلين، بحسب وصف بايدن نفسه، وهي شاملة. صحيح أنها جاءت في سياق حراك لإنقاذ الاقتصاد الأمريكي من تداعيات جائحة كورونا، كما يحدث في أغلب الدول حاليا، لكن الصحيح أيضا، أنها طرحت لتصحيح مسار يرى الديمقراطيون الحاكمون في واشنطن، أنه تأذى كثيرا في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب. وهذا المسار يمثل في الواقع ركنا أساسيا للاقتصاد الأمريكي، وغيره من الاقتصادات، ويتعلق بالطبقة الوسطى، التي نالت منها السياسات السابقة، فضلا عن آثار الوباء القاتل.
جو بايدن يرى أن هذه الطبقة هي التي بنت الولايات المتحدة، على حد وصفه، وهو يرغب في أن تعود إلى مكانتها الحقيقية في التنمية الاقتصادية وروابطها الاجتماعية بالطبع. في المقابل، تحتاج الخطة التريليونية إلى تمويل، وإدارة بايدن وجدته حتى قبل أن تصل إلى الحكم، في ميدان الشركات العملاقة. وهذه الشركات دخلت ولا تزال في "مواجهات مع الإدارات الأمريكية السابقة، بما فيها إدارة ترمب التي تعد صديقة لمثل هذه المؤسسات، حول تهربها أو احتيالها في مجال الضرائب الواجبة عليها. بعض هذه الشركات نقلت مقارها الرئيسة خارج الولايات المتحدة لهذا الغرض، في حين كشف تحليل مستقل أن هناك 91 مؤسسة من بين كبرى الشركات في العالم، بما في ذلك "أمازون"، استخدمت حيلا قانونية مختلفة، ولم تدفع ضريبة فيدرالية بتاتا.
سيحصل الرئيس الأمريكي على التمويل اللازم بلا شك، وقد حسبها بالفعل. فالتمويل الجزئي سيأتي من خلال زيادة ضرائب الشركات من 21 إلى 28 في المائة، علما أن هذه الضريبة كانت قبل عهد ترمب 35 في المائة، قبل أن يخفضها الأخير إلى 21 في المائة. كان على بايدن أن يؤكد وهو يسير نحو حلول التمويل أنه ليس ضد الأغنياء، بل هو مع مشاركتهم في المسار الاقتصادي الوطني. ولذلك قالها علنا "أنا أؤمن بالرأسمالية الأمريكية". فما يطرح حاليا على الساحة الأمريكية، خطة جمعت خطتين في آن معا. فحزمة الإنفاق والائتمان الجديدة، تصل قيمتها مع خطة سابقة للبنية التحتية والوظائف إلى أربعة تريليونات دولار. إنها أموال هائلة تسهم بقوة في الاستثمار لمستقبل البلاد.
والواضح أن خطة الإنفاق والإنقاذ والبنية التحتية، أسهمت في الـ 100 يوم الأولى من عهد بايدن في توفير 1.5 مليون وظيفة، بعد أشهر من ارتفاع معدلات البطالة، وأعداد أولئك الذين يتلقون الإعانات الحكومية. ويرى صندوق النقد الدولي، أن الجانب المتعلق بـ 1.9 تريليون دولار من الخطة الشاملة، قد يضيف إلى الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي 5 في المائة في ثلاثة أعوام. و"النقد" نفسه يتوقع أن يصل حجم النمو في الولايات المتحدة هذا العام إلى 5.1 في المائة، بعد انكماش بلغ العام الماضي 3.4 في المائة. ونسبة النمو هذه عالية جدا مقارنة بمثيلاتها في الدول المتقدمة الأخرى. الجانب الآخر المهم لخطة التحفيز، أنها ستترك آثارا إيجابية في الاقتصاد العالمي ككل. فمعظم الدول التي تتعامل مع الولايات المتحدة، ستستفيد من زيادة الطلب الأمريكي على السلع الأساسية والخدمات.
بالطبع يحاول الجمهوريون في واشنطن أن يقللوا من الآثار الإيجابية لهذه الخطة. وهذا أمر وارد ومتوقع جدا. فهم لم يطرحوا خططا مماثلة حتى في عز أزمة كورونا خوفا من أن تسوء العلاقة بينهم وبين المؤسسات والشركات العملاقة، فضلا عن علاقاتهم القوية مع أصحاب رؤوس الأموال والأغنياء عموما. وهم وقفوا علنا، ونشطوا ضد المخططات التي توفر نوعا من التكافل الطبي للأمريكيين، وكذلك قللوا من حجم الإنفاق على العاطلين أو الفقراء في البلاد. وهنا يمكن فهم ما قاله بايدن حول تمويل مخططات التحفيز والبنية التحتية. ماذا قال؟ "حان الوقت كي تبدأ الشركات الأمريكية، وأغنى 1 في المائة من الأمريكيين في دفع نصيبهم العادل". مع ضرورة الإشارة، إلى أن الرئيس الأمريكي لم يعد مستوى الضرائب على الشركات والأغنياء إلى ما كانت عليه في عهد سلفه باراك أوباما. أي إنه حافظ على علاقة هادئة نوعا ما مع هذه الجهات الثرية.
ستنقل الخطة الأمريكية الاقتصادية الشاملة (أربعة تريليونات دولار) الاقتصاد الوطني بقوة دفع أكبر نحو التعافي. فهذا الاقتصاد يتجاوز كل الاقتصادات الأوروبية في هذا المجال حتى قبل أن يتم تنفيذ بنود ومشاريع الخطة المشار إليها. ومما لاشك فيه، مكن التوجه الاقتصادي الراهن لإدارة بايدن الديمقراطيين أكثر وأكثر على الساحة الشعبية. فالجانب الاجتماعي لهذه الخطة التاريخية الاقتصادية الكبرى، يشكل أساسا لها، بينما لا يزال الأمريكيون يتذكرون دونالد ترمب، عندما رفض الاعتراف بوجود كورونا أصلا.
إنشرها