بناء اقتصاد ببیانات أفضل «2 من 3»

إن معظم المعاملات التي تنطوي على تداول البيانات الشخصية تتم دون علم المستخدمين، الذين على الأرجح لا يعلمون حتى بوجود مثل هذه المعاملات، فضلا عن الموافقة عليها. وهذا ما يطلق عليه في علم الاقتصاد العوامل ذات المنشأ الخارجي: فتكلفة فقدان الخصوصية لا تؤخذ في الحسبان كليا عند تبادل البيانات. والنتيجة أن هذا الغموض المحيط بالأسواق يؤدي على الأرجح إلى جمع بيانات كثيرة لا ينال الأفراد سوى نصيب ضئيل من قيمتها.
فمن خلال الموافقة على تثبيت أحد تطبيقات الطقس والسماح له تلقائيا بتحديد المدينة الحالية، يسمح الفرد المصمم للبرنامج دون قصد بتتبع موقعه باستمرار. ويعد الاشتراك في تطبيقات توقعات الطقس ذات التصميم العصري الأنيق بمنزلة موافقة من المستخدم على الإفصاح عن بيانات موقعه معتقدا أن الهدف من ذلك هو السماح للتطبيق بأداء وظيفته على أكمل وجه. لكنه يقدم في واقع الأمر سجلا بعاداته اليومية ومسار رحلاته وأنشطته الاجتماعية. وربما لن يتحسن أداء تطبيقات الطقس في التنبؤ بسقوط الأمطار، لكنها قد تستطيع في نهاية المطاف التنبؤ بالجدارة الائتمانية للمستخدم بدقة أكبر مقارنة بالتقييمات التي تعدها مكاتب الاستعلام الائتماني التقليدية.
وحول مفارقات الخصوصية، هل نعبأ بخصوصيتنا؟ وثق الباحثون ظاهرة أطلقوا عليها "مفارقة الخصوصية". فعندما يطلب من المشاركين في المسوح تقييم خصوصيتهم، عادة ما يولونها أهمية كبيرة، لكنهم على استعداد في الأغلب لتبادل بيانات شخصية حساسة للغاية في إطار حياتهم اليومية دون مقابل يذكر.
وهي مفارقة سعيدة دون شك بالنسبة إلى تطبيقات تتبع المخالطين التي تعتمد فعاليتها على مدى انتشارها بين المستخدمين. لكن لسوء الحظ، تستخدم هذه الأدوات بصورة طوعية في عديد من البلدان ويعد الإقبال عليها ضعيفا بالتالي. ولكن لم نكن على استعداد للإفصاح عن بيانات الموقع الخاص بنا مقابل الاطلاع على توقعات الطقس، بينما نمتنع عن مشاركتها في حماية صحتنا والمساعدة على مكافحة جائحة عالمية أودت بحياة ما يزيد على مليوني شخص. قد يكون أحد الأسباب أن هيئات الصحة العامة ـ على عكس مصممي تطبيقات الطقس ـ قد صممت تطبيقات تتبع المخالطين للإعلان بشفافية عن كيفية جمع البيانات واستخدامها، ما يثير مخاوف بشأن الخصوصية. والسبب الآخر أن السماح للحكومات بجمع بيانات الموقع وبيانات تشخيص الأمراض قد يبدو أمرا حساسا للغاية. فمعرفة الحالة المرضية المسبقة لشخص ما قد تؤدي في نهاية المطاف إلى استبعاده من سوق التأمين مستقبلا أو فتح الباب لأشكال أخرى من الوصم أو التمييز.
بشأن الاستخدام المسؤول، تعد البيانات المتولدة عن أجهزتنا الذكية في جوهرها بمنزلة سلعة خاصة تحوزها الشركات التكنولوجية الكبرى التي تهيمن على وسائل التواصل الاجتماعي وعمليات البيع عبر الإنترنت وأدوات البحث. ونظرا للقيمة الكبيرة لهذه البيانات، ليس من المستغرب أن الشركات عادة ما تحتفظ بها لنفسها، ونظرا لأن ازدياد البيانات يرفع كفاءة التحليلات، مما يسهم بدوره في اجتذاب مزيد من المستخدمين وزيادة البيانات والأرباح، فإن هذه الذخيرة الضخمة من البيانات سوف تعزز شبكات منصاتها وربما تكبح المنافسة.
وعادة ما يؤدي هذا النموذج الذي يقوم على البحث عن البيانات والاحتفاظ بها، إلى جمع قدر هائل من البيانات دون استخدامها بشكل كاف عند وجود حاجة ماسة إلى الاستفادة منها، وتخزينها في مستودعات معزولة خاصة دون تلبية الاحتياج العام لها. ومن شأن تبادل البيانات دعم استحداث تكنولوجيات جديدة، بما في ذلك في علوم الحياة. فلننظر - على سبيل المثال - في الاستفادة التي قد تعود على البحوث الوبائية من التوسع في نطاق تحليل البيانات الكبيرة. فقيام أحد الباحثين بتحليل تجربة المرضى في بلده قد يمثل بداية جيدة، لكنه لن يتفوق على مساعي عديد من الباحثين الذين يعملون معا بناء على تجربة عدد أكبر من المرضى من مختلف أنحاء العالم ـ وهو أساس نجاح عدد من برامج التعاون عبر الحدود.
فكيف يمكن أن تصبح البيانات أقرب في طبيعتها إلى السلع العامة؟ ينبغي موازنة المصالح التجارية وحوافز الابتكار مقابل الحاجة إلى كسب ثقة الجمهور من خلال حماية الخصوصية والنزاهة... يتبع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي