Author

المناسبات .. الجشع ودور المواطن

|
كنت في انتظار دوري في أحد المتاجر أمام المحاسب فشد انتباهي حوار دار بين أحد الزبائن والمحاسب، حيث الزبون يحمل معه منظفات، ومكانس عادية، ومدار الحوار سؤال طرحه الزبون على المحاسب، حيث سأل ما علاقة المنظفات، والمكانس برمضان فرد المحاسب بلكنة وافد عربي مقيم هنا: يا أخي الأغراض غالية علينا، ونحن في موسم، فكرر الزبون السؤال قائلا، أنا زبون لكم من سنين، وما علاقة هذه المواد بموسم رمضان؟.
هذا السؤال الاستنكاري من الزبون مستحق، ويطرحه كثير من الناس الذين يسعون إلى الحصول على احتياجاتهم اليومية، والموسمية، إذ يستغل البائعون بالجملة، والقطاعي الموسم، لرفع السعر في كل شيء، ما له علاقة، وما ليس له علاقة برمضان.
المعروف أن حركة الأسواق من حيث قوة الشراء، تعتمد على أمور منها دخل الفرد، والحاجة إلى البضاعة، وتوافر السلعة، والمناسبة، أو الموسم، وهذه العناصر تشكل ما يعرف بقانون العرض والطلب، فإذا قلت البضاعة في السوق، خاصة البضاعة التي من احتياجات الناس الأساسية، إما لتأخر وصولها من بلد المنشأ، لأسباب طبيعية، وتعطل وسائل النقل، أو بسبب الحرب، وعدم الاستقرار في بلد من البلدان، أو احتكار المورد للبضاعة، وتخزينها في المستودعات، ليحدث حالة ارتباك، وشح في السوق، يؤدي إلى ارتفاع سعرها، نظرا لكثرة الطلب عليها، ليس لأهميتها في حياة الناس فقط، ولكن لانعدامها.
دخل الفرد من حيث ارتفاع الدخل، وانخفاضه يلعب دورا أساسيا في حركة السوق النشطة، أو الركود، فكلما ارتفع دخل الفرد في مجتمع زاد الاستهلاك، وزاد معه استغلال التاجر للناس، نظرا لوفرة السيولة، حتى أن الناس تصاب بما يمكن تسميته سعار الشراء، لما يحتاج، وما لا يحتاج، ليتعدى المواد الأساسية إلى المواد الترفيهية التي لا تتأثر بها حياة الناس، وصحتهم فيما لو لم يتم توفيرها، ولذا نجد المجتمعات التي ينخفض فيها دخل الفرد يركزون في شرائهم على الضروريات، وينظمون ميزانياتهم بما يتناسب ودخولهم، تجنبا لأي إشكالات تواجههم، فيما لو تم تجاوز مستوى الدخل، وفي الأغلب تتوافر البضائع الأساسية في مثل هذه المجتمعات.
الحاجة إلى البضاعة تعتمد على طبيعتها، وهل هي ضرورية، وفي ظرف طارئ على الفرد، وفي هذه الحالة يجد الفرد نفسه مضطرا لتوفيرها، كالعلاج، أو اللباس، حتى لو اضطر للاستدانة، أو بيع شيء ثمين عنده يصعب التفريط فيه، ومثل هذه البضائع قد لا تكون محل طلب من عامة الناس، وخاصتهم، غنيهم، وفقيرهم، إذ إنها ليست من المستهلكات اليومية، لكن وقت الحاجة إليها قد تكون غالية الثمن، إما لتكلفة إنتاجها، وإما لقلة توافرها في السوق لندرة الطلب عليها.
المواسم، كالأعياد الوطنية، والدينية تزيد حركة الأسواق قوة، ويكثر الطلب على بضائع بعينها، لارتباطها بالمناسبة، كالمواشي في عيد الأضحى المبارك في العالم الإسلامي، نظرا لكثرة الطلب، وهذا يشاهد في الدول التي تحتفل برأس السنة الميلادية، وعيد الميلاد، وأعياد الاستقلال، أو التأسيس، ولكثرة الطلب قد يفهم ارتفاع السعر لما له علاقة بالمناسبة، أما أن يتدخل الجشع، ويستغل التاجر المناسبة لرفع السعر لكل ما هب، ودب، كالمنظفات، والمكانس فهذا أمر غير مبرر، ويلزم تدخل الجهات المعنية لردع مستغلي المناسبة، ومحاسبتهم، حفاظا على سعر السوق، وبما يتناسب مع مصلحة الناس، خاصة محدودي الدخل.
من العناصر الملهبة لحركة السوق الدعاية المصورة ثابتة، أو متحركة، حيث توجد ما يمكن تسميته الحاجة الكاذبة، نتيجة الإغراء الذي يخضع له الفرد، ما يقوده إلى شراء السلعة، حتى لو كانت خارج قدرته المالية الطبيعية لتكون على حساب بضاعة أخرى، وإن لم تكن آنية.
السلوك الشرائي، وما يؤثر فيه من عوامل يفترض أن يخضع في الأساس لحكمة الفرد، ونضجه، وقدرته على الموازنة بين رغباته، وإمكاناته المالية التي تمثل المحك الأساسي، كما أن وعي المواطن وممارسة دوره على أقل تقدير في لفت نظر البائع بتجاوز سعر البضاعة سعرها الطبيعي، مع إبلاغ الجهات المعنية بمن يخالف الأنظمة، ويستغل ظروفهم ليثرى على حسابهم.
إنشرها