غياب الصين عن النقاش حول التضخم المفرط «2 من 2»

في خضم هذا الصراع الاقتصادي والتجاري العنيف بين أكبر اقتصادين في العالم وفي هذه الأثناء، تلاشت جميع القوى التي أدت إلى ارتفاع أسعار المستهلكين في الولايات المتحدة بعد عام 1970 -بما في ذلك خفض قيمة الدولار، وارتفاع أسعار النفط، وتسويات تكاليف المعيشة بالنسبة للعاملين في مجال التصنيع "التي تم تمريرها في هيئة أسعار أعلى". لم تكن العمالة الكاملة السبب في حدوث ذلك، وبالتالي لم يتسبب التوظيف الكامل في أواخر التسعينيات وفي الفترة التي سبقت اندلاع جائحة كوفيد - 19 في إعادة التضخم. وعلاوة على ذلك، لم يعد هناك ميل إلى تغذية تقلبات أسعار النفط بالأجور والأسعار الأخرى، وذلك لأن الوظائف الأمريكية اليوم تعمل بشكل رئيس في مجال الخدمات، حيث يكون سعر العمالة هو السعر الذي تدفعه.
لكن، ألن تقوم الصين في هذه المرحلة باستغلال ارتفاع الطلب الأمريكي لرفع الأسعار؟ الجواب هو لا، نظرا لأن الشركات الصينية تخشى فقدان حصتها في السوق أمام الدول الأخرى، ولأن القيم الاقتصادية في الصين لا تهدف إلى تحقيق أقصى قدر من الأرباح، بل الاستقرار الاجتماعي، ونمو الإنتاج المطرد، وخفض التكاليف من خلال التعلم والتقنيات الجديدة. لن تنفر مثل هذه الشركات زبائنها من خلال رفع الأسعار لاستغلال قليل من الطلب الإضافي. قد يكون هناك بعض الطلبات المتراكمة وعمليات التسليم المتأخرة، وبعض الزيادات في الأسعار بسبب ارتفاع تكاليف الشحن وارتفاع الأجور في الصين. ومع ذلك، فإن الخطر التضخمي الحقيقي الوحيد يصدر من أولئك الذين يشعلون نيران الحرب مع الصين. إن الحرب تكون دائما تضخمية. إن شن الحرب مع أكبر مورد للسلع لدينا سيكون كابوسا للتضخم.
في الواقع، لا تعاني الأسر الأمريكية نقصا في الهواتف الذكية وغسالات الأطباق وأحذية الجري. ما ينقصها هو الثقة والأمن. وبالتالي، فإن كثيرا من أموال خطة الإنقاذ لبايدن لن يذهب إلى الصين على الإطلاق. سيتجه نحو الادخار من أجل تغطية التكاليف المستقبلية، والرهون العقارية، والشركات، وتسديد الديون.
صحيح أن بعض هذه الأموال سيتم إنفاقها على الخدمات التي تم فقدانها في العام الماضي، الأمر الذي يؤدي إلى إحياء الوظائف في تلك القطاعات إلى حد ما. سيتم استخدام جزء من هذه الأموال لصيانة أو إصلاح أو تحديث المساكن - وهي النفقات التي تم إهمالها عندما كان الناس يخشون تكبد تكاليف إضافية لدفع أجر سباك أو كهربائي أو صباغ. وسيتم تخصيص بعض هذه المساعدات المالية لبناء منازل جديدة، كما يحدث بالفعل.
أما بالنسبة للباقي، فسيتم تخصيص جزء كبير منه لشراء الأسهم والسندات والعقارات - خاصة الأراضي وبيوت الضواحي والمنازل الريفية التي أصبحت ثمينة أثناء الجائحة. في هذه المرحلة خصوصا سترتفع الأسعار، ما يزيد من إثراء أولئك الذين يمتلكون بالفعل مثل هذه الأصول. إن فجوة الثروة الهائلة بالفعل ستزداد اتساعا. نظرا إلى أن الأسهم والسندات والمنازل القائمة والأراضي ليست سلعا استهلاكية منتجة حديثا، فإن هذه الزيادات في الأسعار لن تظهر في المؤشرات التي تقيس التضخم. سيتعين علينا مراقبتها من خلال مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" وعلى الموقع العقاري الأكبر على مستوى العالم والأكثر شهرة "زيلو"، حيث يتم الترحيب بارتفاع الأسعار باعتباره أمرا جيدا.
يتكون الدرس المستفاد من شقين: أولا، لم يعد الاقتصاد الكلي السائد المؤيد للنظرية الكينزية الجديدة في الستينيات دليلا مفيدا لفهم الاقتصاد الأمريكي الذي أصبح مرتبطا بشكل وثيق مع بقية العالم وأعيد تشكيله بشكل أساسي إثر صعود الصين. ثانيا، لا تشكل مشكلات عدم المساواة وعدم الاستقرار التي تعانيها أمريكا في واقع الأمر قضايا تتعلق بالندرة المادية. إنها تعكس سوء التوزيع غير المستدام للثروة والسلطة.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2021.
.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي