ثقافة التشجيع
أصبحت الرياضة سمة من سمات كثير من المجتمعات، وخصصت لها الميزانيات، ويتسابق عديد من الجهات والشركات للاستفادة منها في إعلان أنشطتها أو منتجاتها. وتأتي لعبة كرة القدم على رأس أنواع الرياضة المحببة للناس، ويتسابق أصحاب رؤوس الأموال على شراء الأندية كنظرة اقتصادية بعيدة المدى. ما نود تسليط الضوء عليه هو ما يصاحب الألعاب الرياضية خاصة كرة القدم من تشجيع، وما ينتج عنه أحيانا مما يمكن تسميته - التشجيع المرضي - لفريق دون آخر. إذ لا يختلف اثنان أن من حق الشخص أن يتمنى الفوز للفريق الذي يشجعه، ولكن في حدود مفهوم الرياضة الصحية، التي تنفع ولا تضر، وتبني ولا تهدم، وتقرب ولا تباعد، ولكن ومع الأسف؛ نرى بين الحين والآخر ما يندى له الجبين من مشاحنات وانفعالات بين البعض، قد ترقى إلى مستوى القطيعة، ولو نظرنا إلى أسباب ذلك التعصب أو الفرقة، لوجدنا أن ما تبثه وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي هو السبب الرئيس في ذلك، إذ يعمد بعضها إلى استقطاب من يسمون بالنقاد أو المحللين الرياضيين، الذين جل اهتمامهم الإساءة إلى الفرق التي لا يميلون إليها، وبأسلوب يرسخ مفهوم الكره للآخر، متغافلين عن أن كثيرا ممن يستمع إليهم أو يتابعهم هم من الناشئة، الذين يتشربون هذا الأسلوب الفض، وهذه الأفكار التي يصعب عليهم التخلص منها فيما بعد، ولذا أرى أنه من الأهمية بمكان ألا يسمح لأي ناقد رياضي أن يدخل هذا المجال إلا بعد أن يجتاز دورة تأهيلية في أسلوب النقد الرياضي والحوار الراقي، الذي من المفترض أن يحبب النشء خاصة والناس عامة في ممارسة الرياضة وتشجيعها بشكل جميل، بعيدا عن الاحتقان البغيض، ولا شك أن المسؤولية تقع أيضا على عاتق مسؤولي الأندية والمدربين، بل وبشكل أكبر على اللاعبين أنفسهم، الذين يفترض أن يكونوا قدوة في البعد عن التعصب والكراهية والألفاظ البذيئة. لقد عكر التعصب الرياضي صفو الرياضة الجميلة، بل أصاب وجهها الجميل بخدوش بالغة، لن يزيل آثارها إلا التعود على ضبط النفس، وحض الأبناء على ذلك، والفرح المتزن عند الفوز وتقبل الهزيمة بروح رياضية مرحة ومنفتحة تعكس الأخلاق الرفيعة الراقية. إن الرياضة بمفهومها الواسع تعد مصدرا للترويح عن النفس، ولذا يجب ألا يسمح لقلة متهورة أن تفسد هذا المفهوم.