الأتمتة والتكنولوجيات واحتياجات الإنسان
يمكن للمنهج نفسه تحقيق توازن بين الأتمتة والتكنولوجيات الملائمة لاحتياجات الإنسان. فكما في حالة الطاقة المتجددة، يجب أن يبدأ التغيير باعتراف أوسع من جانب المجتمع بأن خياراتنا التكنولوجية أصبحت غير متوازنة إلى حد كبير، وأن عواقبها الاجتماعية السلبية لا تعد ولا تحصى. ويجب أن يكون هناك التزام واضح من جانب الحكومة الفيدرالية بتصحيح بعض هذه الاختلالات. وينبغي للحكومة أيضا معالجة مشكلة هيمنة حفنة من شركات التكنولوجيا الكبرى على أسواقها وعلى اتجاه تكنولوجيا المستقبل. وسيكون لذلك بالطبع منافع أخرى، مثل ضمان زيادة المنافسة وحماية الخصوصية.
والتحدي الأكبر هو المعارضة السياسية لهذه الأفكار، وهو التحدي نفسه الذي طرحه فريدريك هايك لتطور دولة الرفاهية في بريطانيا في كتابه الذي أصبح ذائع الصيت بعنوان The Road to Serfdom. فقد حذر هايك من صعود الدولة الإدارية، بحجة أنها ستقمع المجتمع وحرياته. وكما ألخص ذلك لاحقا، كان ما يقلقه هو أن:
- السيطرة المفرطة من جانب الحكومة تؤدي إلى تغيير نفسي، أي تغيير في شخصية الناس، حتى إن اعتیاد وجود حرية سياسية لا يضمن أي حماية إذا كان الخطر يتمثل تحديدا في أن المؤسسات والسياسات الجديدة ستقوضان وتدمران هذه الروح تدريجيا.
ورغم أن مخاوف هايك كان لها ما يبررها، فقد تبين أنه كان على خطأ. فالحرية والديمقراطية لم يتم قمعهما في المملكة المتحدة أو في الدول الاسكندنافية التي اعتمدت برامج مماثلة لدولة الرفاهية. وعلى العكس من ذلك، أتاحت هذه النظم فرصا أكبر لازدهار حرية الفرد عن طريق ضمان وجود شبكة أمان اجتماعي.
وهناك سبب أكثر أهمية لعدم تهديد دولة الرفاهية والحرية والديمقراطية. وقد وضعت مع جيمس روبنسون الإطار المفاهيمي في كتابنا الجديد بعنوان:The Narrou Corridor Acemoglu and Robinson 2019. وأوضحنا في هذا الكتاب لماذا لا تتمثل أفضل ضمانات الديمقراطية والحرية في الدساتير أو التصميمات الجيدة لفصل السلطات، وإنما في التعبئة المجتمعية. ويتطلب ذلك تحقيق توازن بين الدولة والمجتمع يضع النظام السياسي في الممر الضيق، حيث تزدهر الحرية ويمكن للدولة والمجتمع اكتساب القوة والقدرة معا. لذلك عندما نكون بحاجة إلى تحمل الدولة مزيدا من المسؤوليات، يمكننا أيضا أن نشهد تعميقا للديمقراطية وتعبئة مجتمعية أكبر. ويعني ذلك مشاركة المواطنين بفاعلية في الانتخابات ومعرفتهم بالسياسيين وبرامجهم وأعمالهم غير المشروعة، واتساع نشاط منظمات المجتمع المدني، ومساعدة وسائل الإعلام على محاسبة السياسيين والبيروقراطيين. وهذا ما حدث في جزء كبير من العالم الصناعي. فمع تحمل الدولة مزيدا من المسؤوليات، تعمقت الديمقراطية وزادت مشاركة المجتمع وقدرته على إبقاء السياسيين والبيروقراطيين قيد السيطرة.
هناك سؤال مطروح حول ما إذا كان يمكن للمجتمع أن يقوم بدوره في صياغة فصل جديد في تاريخنا؟. ومن أهم العوامل التي تزيد من صعوبة ذلك أن التكنولوجيات الرقمية الجديدة أضعفت الديمقراطية أيضا. فمع تزايد المعلومات المضللة، وإنشاء وسائل التواصل الاجتماعي الذي يشغلها الذكاء الاصطناعي فقاعات ترشيح وغرف صدى معادية للخطاب الديمقراطي، وتضاؤل المشاركة السياسية، ربما لا نمتلك الأدوات المناسبة لإبقاء الدولة قيد السيطرة. غير أننا لا نملك رفاهية عدم المحاولة.