استراتيجية احتيال
قصص الاحتيال والخداع كثيرة، وكل يوم نسمع قصصا جديدة، ونرى ضحايا جدد، ولم تعد المسألة فقط غشا أو خداعا أو سرقة بيانات لسرقة الأموال، بل جاوزتها كثيرا، ولعلكم قرأتم هذه الأيام قصة الرجل الذي باع بذر التفاح على رجل آخر على أنه يزيد الذكاء والفطنة، وهي قصة شهيرة.
القصة من مرويات النكت والطرائف، وسمعتها قبل أكثر من عشرة أعوام، وهي عاودت الانتشار هذه الأيام، ولعل هذا أحد أدلة اجترار القديم عند انعدام الجديد.
المغزى الأعمق من الطرافة وشطارة طرف أكثر من آخر، أن المشتري في القصة وكل قصة احتيال، حركته غريزة الطمع، الغريزة التي تسبب وقوع كثير من الناس في فخاخ الاحتيال، الفخاخ التي تتطور باستمرار، لكنها دوما تنجح - عندما تنجح - إذا صادفت الطماع.
استراتيجية الارتكاز على الطمع المادي بدأت تتغير نحو استراتيجية "الطمع" في الصيت أو حتى الأجر، ورصدت أن المحتالين الجدد، وأغلبهم من النساء أو ممن يدعون أنهم نساء، ينشؤون حسابات في مواقع ومنصات التواصل الاجتماعي بأسماء وصور تبدو حقيقية، وينشرون محتواهم لأشهر قبل أن يراسلوا الضحية المستهدفة بطلب مساعدة محتاجين صادفوهم أو يعرفونهم، وللتأكيد يرسلون رقم هاتف صاحب أو صاحبة الحالة التي تبرعوا لها، لكنهم يريدون أن يدلوك على فعل الخير.
إحدى سمات هذه الحسابات، أنها بأسماء وصور خليجية، لكنها تدلك على المحتاج الذي يطلبون التحويل إليه في دول أخرى، ولم يصدف أن كان في دولتهم التي يدعون أنهم منها.
الاحتيال يتطور كما تتطور وسائل مكافحته الرسمية، ومكافحته الشعبية ترتكز على الوعي والفطنة وتحكيم العقل في كل عرض مغر وغريب يأتيك من غرباء، وهذا ما انتبه إليه المحتالون الجدد، فلجأوا إلى تكوين صداقات طويلة الأمد مع عدد كبير من الناس، ثم يبدأون بهم واحدا تلو الآخر.
منصات التواصل بات بعضها مثل مقهى الحي أو حديقته، يجتمع فيها مجموعة من الناس كل يوم لتبادل المحتوى العادي أو المميز، والفارق أن هذا المجتمع الصغير يسهل اختراقه من قبل المحتالين، خاصة إذا تخفوا خلف محتوى لا بأس به يجعل المتابع يحترمهم، ثم يثق بهم.
احذروا كثيرا، فالقضية ليست فقط خسارة مالك على أنها مسألة مهمة، القضية فيها أمنك وأمن وطنك في بعض الحالات.
أخيرا، لو صادفك مثل هؤلاء في منصات التواصل، رد عليهم "سبقتي بالخير، كنت سأدلك على فقراء أشد حاجة".