الطموح .. طاقة تحقيق الأهداف

يتحير المرء في تفسير الاختلافات التي توجد بين الناس في النجاح الذي يحققه البعض في حياته بشكل عام، في حين يفشل الآخرون، ويتعثرون في حياتهم، إلا أن مفهوم الطموح قد يكشف لنا شيئا من خفايا هذا المكون النفسي الذي يمثل عنصرا جوهريا في حياة الناس فرادى، أو مجتمعات. إذا علمنا أن الطموح يعني حالة عقلية وشعورية توجد عند فرد، أو جماعة تشكل محفزا، لتحقيق هدف، أو مجموعة أهداف، لذا ندرك أن هذه الحالة العقلية، والشعورية بمنزلة الطاقة التي تحرك الفرد، والجماعة، لرسم الخطة، أو الخطط التي تقود إلى تحقيق الهدف المرسوم، إلا أن الخطة لا تكفي وحدها، بل تتطلب جهدا، وسعيا، وتوفير متطلبات تحقيق الطموح، مع الإصرار على مواجهة التحديات التي تعترض مسيرة الفرد، أو المجتمع، وهو في طريقه لتحقيق الطموح.
واقع حال بعض الأفراد، أو المجتمعات، والجماعات يكشف لنا دور الطموح في حياة الناس، أفراد كثيرون رسموا أهدافا لأنفسهم، منهم من كان طموحه أن يكون معلما، وسعى لتحقيق هذا الهدف، وتدرج في المستويات الدراسية حتى أصبح معلما يشار إليه بالبنان عند طلابه، وفي المجتمع بشكل عام، وآخر طموحه أن يكون طيارا حربيا، وسعى في هذا الطريق متجاوزا التحديات الأسرية كافة التي ربما لا تؤيده على ذلك، أو تحديات نسبة الثانوية العامة، وبقية الشروط الأخرى، في حين نجد ثالثا كانت ظروفه الأسرية صعبة لدرجة أنه يعمل في المساء، ويدرس في الصباح، أو العكس، بهدف توفير لقمة العيش لأهله، ومع ذلك تمكن من بلوغ أعلى الدرجات العلمية، وتسنم أعلى المناصب، وكم من الأفراد الذين لم يدخلوا المدرسة إلا وهم كبار ومع ذلك لم يكن العمر معوقا لهم للالتحاق بالمدرسة، والتدرج في المراحل التعليمية حتى تمكنوا من تحقيق الهدف المنشود.
الطموح على مستوى الجماعات، والمجتمعات يتمثل في سعي بعض الأقليات أن يكون لها تمثيل في الحكومة، وجماعات أخرى طموحها الحصول على حكم ذاتي، كما أن مجتمعات أخرى تسعى للاستقلال، وهذا وجد بكثرة في زمن الاحتلال الغربي لبعض الدول. أساليب تحقيق الطموحات تتنوع على حسب الفرد، أو الجماعة فإما أن تكون وفق الأساليب النظامية المتاحة لأي فرد، أو تكون غير مشروعة كما في حالة من يطمح للثراء لكنه يسلك طرقا ملتوية، وغير نظامية وقد يحقق طموحه، لكن في الأغلب يؤدي بأصحابه إلى التهلكة، كأن يسلك طريق السرقة، أو الرشوة، أو بيع المحرمات.
الأهداف الكبيرة للجماعات، والمجتمعات، كتحسين المستوى الاقتصادي، ومحاربة الفقر، والجريمة، والتقليل من البطالة تكون بخطط مدروسة، ووفق مراحل تتناسب مع مصادر الدخل المتاحة، والخبرات، والكفاءات القادرة على تحقيق الطموح، فتجاوز الأمية في مجتمع يحتاج إلى مدارس، ومعلمين، واحتياجات أخرى، ووقت، كما كان في وضع المملكة في بداية تأسيسها، حتى تطلب الاستعانة بخبرات الآخرين من الدول العربية، ومنظمة اليونسكو، وفي المجال الاقتصادي كان طموح تحسين مستوى المعيشة للمواطنين يتطلب إيجاد الموارد المالية ما حدا بالمملكة للاستفادة من خبرات الدول ذات الشأن كأمريكا التي كان لها دور مشهود في تقدم صناعة النفط.
كما هنالك خصائص شخصية تبين توافرها لدى ذوي الطموح العالي تتمثل في الإصرار، والعزيمة، وتكرار المحاولة، حتى لو اعترضت المرء المعوقات الشديدة، كما أن من الخصائص القدرة على تغيير الاستراتيجيات، والطرق فيما لو تعسر تحقيق الطموح من طريق ليجد الطريق الآخر متاحا، كما أن ذوي الطموح تكون دافعيتهم عالية جدا، ولا يلتفتون للمخذلين مهما كانوا، بل يحولون التخذيل إلى طاقة تحد، وقوة دفع للأمام، ويضاف إلى ما سبق اتسامهم بقدرة عقلية تساعد على تحليل المواقف، والاستفادة منها بإيجابياتها، وسلبياتها، واشتقاق الدروس، ومن الخصائص الصلابة النفسية وقوة الإرادة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي