مزاد لخريجي الجامعات في أسواق العمل .. المنافسة غربية - آسيوية

مزاد لخريجي الجامعات في أسواق العمل .. المنافسة غربية - آسيوية

ما أبرز التحديات التي تواجه التعليم الجامعي في المستقبل؟ ربما يكون ذلك أحد أكثر الأسئلة إلحاحا وانتشارا في الوقت الحالي، فالمناخ السياسي والاقتصادي العالمي يدفع إلى طرح هذا السؤال بشدة، خاصة بعد انعكاسات أزمة كورونا على العملية التعليمية عامة والتعليم الجامعي تحديدا، إضافة إلى التحديات والصعوبات التي واجهت المؤسسات التعليمية الجامعية، نتيجة سياسات الإغلاق التي اتبعتها عديد من الدول لمواجهة الوباء القاتل.
على الرغم من عدم وجود إجابة واحدة وقاطعة على هذا السؤال، إلا أنه يمكن الإشارة إلى وجود إجماع على أن التكنولوجيا سيكون لها دور رائد في تشكيل مستقبل العملية التعليمية في مختلف مراحلها ومن بينها التعليم العالي، إضافة للعوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
باستثناء الحديث عن التكنولوجيا ودورها المستقبلي في توجيه مسارات العملية التعليمية الجامعية، فإن ترتيب التحديات والاتجاهات التي ستؤثر وتصيغ تلك العملية مستقبلا لا يزال محل نقاش.
ربما من أبرز ملامح المسار التعليمي في العقود الأخيرة على المستوى العالمي، ذلك المسار المتنامي للالتحاق بالتعليم العالي، وإذا كان هذا الاتجاه يتحرك مدفوعا إلى حد كبير بزيادة أعداد الملتحقين في الجامعات في الدول متوسطة الدخل، فإن الدول ذات الدخل المرتفع تشهد انخفاضا أو استقرارا في معدلات الالتحاق بالتعليم العالي.
يترافق هذا الملمح مع ملمح آخر يتعلق بتزايد تدريجي في أعداد الطلاب الذين يتلقون تعليما جامعيا خارج أوطانهم الأم.
تقول لـ"الاقتصادية" شيرلي سبرينج فيلد المستشارة التعليمية في وزارة التعليم البريطانية، "لا يزال عدد الطلاب الذين يتلقون تعليما خارج حدود دولهم يشكل نسبة مئوية صغيرة من إجمالي عدد الملتحقين في الجامعات سواء على المستوى الوطني أو العالمي، ويأتي معظم هؤلاء الطلاب من اقتصادات ناشئة، والاحتمال الأكبر أنهم يأتون من آسيا، ويختارون دراسة المجالات التي تركز على الحياة المهنية مثل العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات والأعمال والقانون".
وتضيف "نمو البرامج التي تدرس باللغة الإنجليزية وارتفاع مستوى معيشة الأسر في الأسواق الناشئة وتطوير نماذج التعليم العابرة للأوطان، سيكون لها تأثير كبير على مستقبل تنقل الطلاب العالمي".
هذا الاهتمام بالتعليم العالي يرتبط من وجهة نظر الكثيرين بزيادة حدة المنافسة في سوق العمل بعد الانتهاء من أعوام التعليم، ويعتقد بعض الخبراء أن التدريب المهني للحصول على درجة علمية، بدلا من مسار التعليم العالي التقليدي قد يكون خيارا جذابا للطلاب، خاصة في الدول المتقدمة التي يرتبط فيها التعليم العالي بالحصول على قرض حكومي واجب السداد بعد الانتهاء من التعليم والحصول على وظيفة.
يربط الخبراء من أنصار هذا الاتجاه بين موقفهم هذا والتغيرات الجارية في سوق العمل، فارتفاع الأتمتة سيكون له تأثير كبير على القوى العاملة العالمية، ولتفادي ظهور فجوة بين احتياجات أصحاب العمل وما يوفره التعليم، فإن الدعوة الدولية للمؤسسات التعليمية تتزايد لإعادة النظر في تقييم المحتوى التعليمي وطرق تقديمه.
من هذا المنطلق يشير لـ"الاقتصادية" الدكتور ستيفن جبريل الخبير التعليمي إلى أن المحتوى التعليمي يتطور بدرجة أبطأ كثيرا من احتياجات سوق العمل، وفي عديد من الاقتصادات لا يتفق المستوى المهني لخريجي الجامعات مع المطالب الحقيقية لسوق العمل، كما أن الجامعات لا تأخذ في الحسبان عند صياغة المحتوى التعليمي أن العولمة الاقتصادية أدت لإنشاء أسواق عمل عالمية لخريجي الجامعات، فمن خلال السياسات الخاصة باستقطاب المهارات المميزة التي تتبناها الشركات الدولية متعددة الجنسيات، يمكنها الحصول على خريجين متميزين من أي جزء من العالم.
ويضيف "ولذلك نجد الآن أن الخريجين من الجامعات البريطانية أو الولايات المتحدة يتنافسون مع نظرائهم من الخريجين من جامعات الصين أو الهند، وهذا يوجد بشكل أو آخر مزادا عالميا للخريجين الجامعيين".
ويقول "لا يسعى جميع الخريجين إلى الحصول على عمل في الشركات عبر الوطنية، لكن بتطبيق هذا الاتجاه على الاقتصادات المحلية فإن الجامعات يجب أن تقوم بعملية تطوير دائم للمحتوى التعليمي، وتأخذ في الحسبان أن الشركات الوطنية المميزة، التي تدفع أعلى الرواتب تستمد مواهب العمل فيها من الجامعات الوطنية في الأساس".
راسل جورج الباحث في مجالات التنمية الاقتصادية يشير إلى أن التعليم بات صناعة تقدر استثماراتها العامة والخاصة بتريليونات الدولارات، وأن من أهداف منظمة اليونسكو إنفاق كل دولة من الدول الأعضاء ما بين 4 - 6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي أو 15 - 20 في المائة من إجمالي الإنفاق العام على التعليم بحلول عام 2030.
مع هذا يؤكد لـ"الاقتصادية" راسل جورج أنه لا يزال هناك عدد من التحديات المالية الكبيرة التي يجب التغلب عليها حتى تستطيع العملية التعليمية خاصة التعليم العالي تحقيق المستهدف منها، مبينا أن طبيعة تلك التحديات المالية تزداد تعقيدا مع اتجاه عديد من الجامعات إلى أتمتة النظام التعليمي، بما لذلك من تأثير سلبي في ميزانيتها نظرا للتكلفة الضخمة لعملية الأتمتة، إضافة إلى توقع زيادة تقديرية بنحو 120 مليون طالب في التعليم العالي بحلول عام 2030 و2.3 مليون طالب يدرسون في جامعات خارج أوطانهم.
ويفتح هذا التقدير الباب إلى ضرورة النظر في مقاربة جديدة لتمويل التعليم الجامعي، من خلال آليات التمويل الذاتي أو التمويل التعاوني لضمان توفر موارد مالية تسهم في النهوض بالتعليم الجامعي، حيث إن الطبيعة التنافسية المتزايدة للتعليم الجامعي، تحتم على الجامعات ابتكار طرق مختلفة لجلب الاستثمارات، وذلك عبر بناء مزيد من الروابط وتعزيز العلاقات طويلة الأمد مع الصناعة، لضمان الانسجام بين مخرجات العملية التعليمية واحتياجات العملية التنموية للمجتمع.

الأكثر قراءة