Author

قوة اقتصادية وديون مؤلمة

|

يعد الاقتصاد الألماني القاطرة الرئيسة لاقتصاد الاتحاد الأوروبي، بالتالي مثل هذا الاقتصاد القيادي والنموذجي يؤثر عموما في دول القارة الأوروبية كافة، وله دور أيضا معتبر في مؤشرات ونمو الاقتصاد العالي، حيث يصنف الرابع عالميا. ونشرت "الاقتصادية" أخيرا تقريرا عن حالة الدين العام، الذي قد تواجهه أوروبا في الأعوام المقبلة، خاصة أن نسبة الدين العام قد تجاوزت حاجز 100 في المائة من الناتج المحلي، وقد تصبح العودة إلى الشروط الأساسية للاتحاد الأوروبي المتعلقة بحالة الموازنة العامة للدول، أمرا صعبا للغاية على بعض الدول. لكن المضي قدما في الحالة الراهنة يعني أن تتأثر قيمة اليورو بشكل كبير، الأمر الذي يقلق الألمان، ولهذا فإن قراءة عميقة للحالة الاقتصادية الألمانية تعد ضرورية لفهم الحالة الأوروبية كاملة.
يعد ملف ألمانيا من الملفات الاقتصادية المهمة، لأن قيمة الصادرات الألمانية إلى الدول العربية انخفضت بما يعادل 11 في المائة، وبلغت ما قيمته 27.9 مليار يورو، في حين انخفضت الواردات الألمانية من الدول العربية 37.5 في المائة، ووصلت قيمتها إلى 8.1 مليار يورو، وهذا يعطي مؤشرا آخر بأهمية دراسة حالة سلاسل الإمداد مع السوق الألمانية لفهم توقع المشكلات الاقتصادية المرتبطة بهذه السوق.
وتؤكد التقارير أن الإغلاق الثاني، الذي يشهده الاقتصاد الألماني بسبب عودة ارتفاع إصابات فيروس كورونا، تسبب في آثار اقتصادية شديدة على القطاع التجاري، فقد بلغت الخسائر اليومية في مبيعات نحو 200 ألف شركة ما يوازي 700 مليون يورو، وهو ما يعادل سدس الناتج المحلي الإجمالي، كما أن القطاع السياحي، يعد الأكثر تضررا مع التوقف عن العمل بشكل شبه كلي، مثله في هذا مثل دول الاتحاد الأوروبي كافة، التي تعتمد على السياحة مصدرا رئيسا للدخل، لكن الأسوأ في الحالة الألمانية هو ذلك الميول السائد بين المستهلكين، الذي يشير إلى الإحجام عن شراء الأصول المعمرة، مثل الأجهزة المنزلية وغيرها، بسبب القلق الكبير من الآثار الاقتصادية للجائحة على القرارات الاقتصادية للاتحاد الأوروبي، إذ انخفض مقياس مناخ المستهلك، الذي حدده باحثو معهد أبحاث السوق GfK في نورمبيرج عن شباط (فبراير) إلى 15.6 نقطة تحت الصفر، وهذا أدنى مستوى للمؤشر منذ حزيران (يونيو) 2020.
كما أن ضريبة القيمة المضافة عند مستوى 19 أثرت في قرارات الشراء بشكل واسع، الأمر الذي يؤكد الشعور بالقلق الذي أصاب المستهلك الألماني، نظرا إلى احتمالات الإنقاذ التي قد تتطلبها بعض الدول الأوروبية على حساب دافعي الضرائب هناك، أضف إلى كل ذلك اتجاه الشركات الألمانية إلى تخفيض ساعات العمل نتيجة الإغلاق، وأيضا استخدام بعض أساليب الاستغناء عن بعض العمالة في عدد من القطاعات الكبيرة والمهمة، التي قد يكون لها أثر عميق في مسألة النمو الاقتصادي، خاصة تصدير البضائع.
وبسبب هذا الإجراء، ارتفع عدد العاطلين عن العمل في ألمانيا بنحو 193 ألف شخص، وارتفع معدل البطالة بنحو 0.4 نقطة ليصل إلى معدل 6.3 في المائة، وتقدمت 31 في المائة من الشركات بطلب الحصول على إعانات الأجور الحكومية في وكالة العمل، وهذا أثر بوضوح في دخل الأسرة، ما جعل المستهلكين في ألمانيا أكثر رغبة في الادخار، وتأجيل اتخاذ قرارات الشراء، إلا عبر الإنترنت، على أن هذا النوع من العمليات لا يحقق نموا في مبيعات السلع الكبيرة والمعمرة، ولهذا فإن هذا النوع من الصناعة في ألمانيا قد يواجه صعوبات جمة، وبالطبع يؤثر في نشاطات الشركات المختلفة. 
فالاقتصاد الألماني، رغم قوته وصلابة قاعدته، إلا أنه يعاني صعوبات في العودة إلى النمو، الذي من المتوقع أن يصل إلى أكثر قليلا من 3 في المائة خلال هذا العام، لكن هذا النمو جاء من توقعات تحسن اقتصاد الولايات المتحدة والصين، حيث ارتفع مقياس توقعات التصدير للصناعة في شباط (فبراير) من 7.5 إلى 10.7 نقطة. ومع هذه الصعوبات المذكورة، فإن السياسة الألمانية الاقتصادية قد تكون أكثر تشددا في دعم الدول الأوروبية التي تضررت فعليا بالجائحة بسبب الإغلاق الكبير والمستمر في الوقت نفسه، ما يعني أن موجة من أزمة الديون الأوروبية قد تكون أشد أيلاما من أي وقت مضي وتحتاج إلى برامج إنقاذ وتحفيز عاجلة حتى تعود الشركات إلى وضعها التجاري الطبيعي على مستوى جميع القطاعات المحركة للأسواق.

إنشرها