تطوير ديناميكيات سوق العمل
تعتمد دول الخليج على النفط والغاز، وتبعا لذلك، فإن توليد الوظائف في هذين القطاعين محدود، وفي الوقت ذاته هناك قطاعات أخرى تستأثر بالإنفاق الاستهلاكي ولا تزال غير قادرة على استيعاب المواطنين، على الرغم من أن مصدر الإنفاق الاستهلاكي رواتب الموظفين الحكوميين، فهناك علاقة طردية بين النمو الاقتصادي والتوظيف - إلا أن دول الخليج استوعبت مزيدا من المواطنين في أعمالها الحكومية لخفض نسبة البطالة، وراهنت في مقابل ذلك على رفع الكفاءة في أعمال الحكومة، وأعتقد أنها نجحت - إلى حد كبير - على الرغم من تحملها معدلات توظيف مرتفعة.
كان توظيف 230 ألف مواطن سعودي في عام 2012، يتطلب تحقيق معدل نمو 7.5 في المائة في القطاعات غير النفطية، بحسب دراسة سابقة لصندوق النقد الدولي، أما أخيرا، وبحسب ما أعلنته وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية عن توفير 400 ألف وظيفة ما بين عامي 2019 و2020، في ظل معدل نمو اقتصادي 0.3 في المائة، و- 3.9 في المائة على التوالي.
أرى أن التفسير المنطقي للتباين وعدم وجود ارتباط ما بين النمو الاقتصادي وعدد الوظائف للمواطنين في المثالين السابقين، يعزى إلى أن قرارات التوطين تنظيمية وليست اقتصادية، وهو أمر ليس سيئا، في ظل وجود 10.4 مليون مقيم يعملون حاليا مقابل 3.1 مليون مواطن فقط، بحسب بيانات الهيئة العامة للإحصاء في منتصف 2019.
أعتقد بأن ما يهم صانع ومتخذ القرار في مثل هذه المسائل، تحقيق أكبر قدر ممكن من الوظائف المستقرة للمواطنين وفق معدلات أجور تعادل الأجور العامة للحكومة واستدامة إنتاج وظائف للمواطنين.
في الحقيقة، إن جهود وزارة الموارد البشرية السعودية كبيرة ولا يمكن التقليل منها بأي حال، ولا سيما بعد ربط التوطين القطاعي بمسؤولي القطاعات من حيث نسب التوطين وإيجاد الوظائف، وتعد هذه المنهجية من أهم طروحات الرأي الاقتصادي، التي طبقت أخيرا في استراتيجية الوزارة.
إن بناء نظام اقتصادي ديناميكي يولد وظائف للمواطنين وفق معدل النمو الاقتصادي، يتطلب إصلاح الأسواق الداخلية، عبر تنمية المنشآت المتوسطة وتحفيزها على التصدير أو التخفيف من فاتورة الواردات، أو تقديم قيمة مضافة في مقابل توفير التمويل التجاري والتنموي ووضع مؤشرات تناقصية تقيس عدد الأجانب ونسبتهم إلى السعوديين، والتركيز على تنفيذ استراتيجية التوطين على أساس قطاعي، وإصدار مؤشر وطني باسم "المؤشر الوطني للتوطين القطاعي"، يستهدف إظهار نسبة التوطين للقطاعات شهريا، وما الجهات المولدة لوظائف السعوديين، وما الجهات أو الشركات الخاصة أو المساهمة أو الحكومية الأعلى في التوظيف، ومؤشر آخر لقياس التنوع الاقتصادي في كل قطاع.
أما المسار الآخر، الذي سيؤدي إلى ديناميكيات توظيف السعوديين، فيتعين نقل جزء من أعمال وزارة الموارد البشرية إلى وزارتي الاقتصاد والاستثمار والهيئات، وتحديد سقف أعلى لعدد الأجانب الكلي Tolerance Threshold، ومساءلة الهيئات التنظيمية عن معدلات الاستثمار ونمو وتنوع النشاطات الاقتصادية.