النقود العامة والخاصة والتعايش في العصر الرقمي «1من 3»

نحن نثمن الابتكار والتنوع في كل شيء، بما في ذلك النقود. فقد نقوم في اليوم الواحد بإجراء عملية دفع إما بتمرير بطاقة عبر جهاز مخصص للدفع الإلكتروني، أو بالتلويح بالهاتف المحمول أمامه، أو حتى بضغطة واحدة بفأرة الكمبيوتر. وفي أحيان أخرى، قد نقدم أوراق العملة والعملات المعدنية لإتمام المعاملة، رغم تزايد العزوف عن هذا الأسلوب في دول كثيرة.
إن عالمنا اليوم يتسم بنظام نقدي مزدوج، ينطوي على نقود يصدرها القطاع الخاص عن طريق البنوك بجميع أنواعها، أو شركات الاتصالات، أو جهات تقديم خدمات الدفع المختصة، وتقوم على أساس من النقود التي يصدرها القطاع العام عن طريق البنوك المركزية. ورغم أن هذا النظام ليس بالنظام المثالي، فإنه يوفر مزايا كبيرة، من بينها الابتكار وتنوع المنتجات، وهما ما يوفره القطاع الخاص، والاستقرار والكفاءة، اللذان يضمنهما القطاع العام.
وهناك ارتباط بين هذه الأهداف: الابتكار والتنوع من جهة، والاستقرار والكفاءة من جهة أخرى. فزيادة أحدها تعني عادة نقص الآخر. وهنا تنشأ المفاضلة التي يتعين على الدول، خاصة البنوك المركزية، استكشاف مضمونها. ما مقدار اعتمادها على منتجات القطاع الخاص، مقابل مقدار ما تقوم هي بابتكاره؟ ويتوقف جانب كبير من هذا الأمر على الأفضليات، والتكنولوجيا المتاحة، وكفاءة القواعد التنظيمية. لذا فمن الطبيعي عند ظهور أي تكنولوجيا جديدة أن نتساءل عن كيفية تطور النظام النقدي المزدوج في عالم اليوم. فإذا ظهر النقد الرقمي الذي يطلق عليه اسم عملة البنوك المركزية الرقمية، فهل سيحل محل النقود الصادرة عن القطاع الخاص، أم سيسمح لها بالازدهار؟ والإجابة الأولى هي الأرجح دائما، عن طريق زيادة القواعد التنظيمية الصارمة. لكننا نرى أن الإجابة الثانية لا تزال محتملة، بالتوسع في المفهوم المنطقي للنظام النقدي المزدوج في الوقت الحالي. وعلى القدر نفسه من الأهمية، لا ينبغي أن تضطر البنوك المركزية للاختيار بين طرح عملة البنوك المركزية الرقمية، أو تشجيع القطاع الخاص على طرح عملته الرقمية البديلة. فكلاهما يمكنه الوجود في الوقت نفسه، وأن يكونا مكملين لبعضهما بعضا، حيث تقوم البنوك المركزية، على سبيل المثال، باختيار تصاميم معينة وتحديث أطرها التنظيمية.
وحول تعايش النقود العامة والخاصة ربما يكون من دواعي الحيرة أن نفكر في أن النقود الخاصة والعامة ظلت موجودة جنبا إلى جنب على مر العصور. فلماذا إذن لم تتحقق السيطرة التامة للنقود الخاصة الأكثر ابتكارا وملاءمة وتواؤما والأسهل استخداما؟
تكمن الإجابة في تلك العلاقة التكافلية الأساسية: أي الاختيار بين استرداد النقود الخاصة في هيئة نقود عامة سائلة تتمتع بأعلى درجات الأمان، من أوراق نقدية وعملات معدنية، أو احتياطيات البنوك المركزية في حيازة بنوك مختارة.
وهنا تصبح النقود الخاصة التي يمكن استردادها بقيمتها الظاهرية الثابتة في هيئة عملة البنك المركزي بمنزلة مستودع مستقر للقيمة. فمن الممكن أن تستبدل بمبلغ عشرة دولارات في حساب مصرفي ورقة تجارية بمبلغ عشرة دولارات مقبولة كعملة لها قوة إبراء قانونية لتسوية الديون. وقد يبدو هذا المثال واضحا، لكنه يخفي في طياته بعض المرتكزات المعقدة، مثل: سلامة التنظيم والرقابة، ومختلف أشكال المساندة الحكومية، كالتأمين على الودائع، والقيام بدور المقرض الأخير، فضلا عن توفير الدعم الجزئي أو الكامل لاحتياطيات البنك المركزي... يتبع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي